حرية – (13/2/2023)
خلال يونيو (حزيران) 2021 أصدر البنك الدولي تقريراً عن الخطر المتزايد جراء استعمال البلاستيك في حياتنا اليومية وعلى البيئة.
وأشار التقرير الذي حمل عنوان “النفايات البلاستيكية خطر متزايد وفرصة ضائعة” إلى أن استخدام البلاستيك جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهو موجود في كل شيء، بدءاً من أكياس البقالة وأدوات المائدة ووصولاً إلى زجاجات المياه ومواد تغليف السندويتشات.
وقال إن البحث عن الراحة قد تجاوز الحد “وفشلنا في استخدام المواد البلاستيكية بكفاءة مما أدى إلى إهدار موارد قيمة وإلحاق الضرر بالبيئة”.
ويمثل الإفراط في استهلاك البلاستيك وسوء إدارة النفايات البلاستيكية تهديداً متنامياً، مما يتسبب في امتلاء مكبات النفايات عن آخرها وخنق الأنهار وتهديد الأنظمة الإيكولوجية البحرية.
ولكل هذا تأثير سلبي في القطاعات البالغة الأهمية بعدد من الاقتصادات ومن بينها السياحة والشحن ومصائد الأسماك، فماذا لو علمنا أنه ينتج 350 مليون طن من البلاستيك سنوياً وينتهي الأمر ببعضه كقمامة في المحيطات والصحارى والشوارع.
ملابس بلاستيكية صديقة للبيئة
تعتبر الملابس المصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره صيحة في عالم الموضة، فمن الأحذية الرياضية حتى ملابس السباحة يتزايد هذا الاتجاه تحت ضغط زيادة الاحتباس الحراري والبحث عن المنتجات الصديقة للبيئة، لكن هل هذه الثياب تسهم في الحد من الأضرار على البيئة أو العكس؟
عندما وصل كريستيان وإيما باربر إلى دبي عام 2010 لاحظا مدى استهلاك البلاستيك في المنطقة، إذ تعد أحد أعلى معدلات استهلاك الفرد في العالم، وسرعان ما أدركا أنه لا توجد بنية تحتية لإعادة التدوير تقريباً، وهذا ما كان سبباً في تفكير العائلة باربر لاستثمار هذا الكم الهائل من البلاستيك وإعادة تدويره في محاولة للحفاظ على البيئة من خلال تحويل الزجاجات البلاستيكية إلى ملابس رياضية وقبعات وحقائب وأكواب قهوة، وأسسا شركة “DGrade” لإعادة تدوير القناني البلاستيكية وصنع خيوط عالية الجودة يمكن استخدامها لصنع الملابس.
ويقول مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي كريستيان باربر في حوار صحافي نشر عام 2020، إن “جميع المنتجات مصنوعة بنسبة 100 في المئة من بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثالات Polyethylene terephthalate))”.
ويذكر أن “هذه المادة المستخدمة في صناعة زجاجات المياه كانت في الأساس بوليستراً قبل أن يجري معالجته، ومن المعروف أن ألياف البوليستر المستخدمة في الملابس كانت تصنع بطريقة تقليدية باستخدام النفط، لذا فإذا كان بإمكاننا معالجة البوليستر واستخدامه في صناعة الملابس فيمكننا إنتاجه من دون استخدام النفط”.
ويستخدم باربر المتمرس في صناعة المنسوجات تقنية إعادة تدوير بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت منذ عام 2009، وطور الفكرة في المملكة المتحدة، إذ أنتج للمرة الأولى حقائب التسوق المصنوعة من الزجاجات البلاستيكية المعاد تدويرها،
وجرى عرض المنتجات في معرض “إكسبو دبي 2020” وباعت الشركة بالفعل بصفتها راعياً رسمياً للحدث مجموعتها الأولى من الهدايا التذكارية عبر موقعها على الإنترنت، واحتاج كل قميص خاص بالمعرض حينها إلى حوالى 12 زجاجة بلاستيكية، ونجحت الشركة في تدوير أكثر من 200 طن من المنتجات البلاستيكية عام 2019 وحده، وتنتج أكثر من 200 نوع مختلف من الأقمشة حالياً.
على المدى الطويل
واستخدام البوليستر المعاد تدويره يقلل من انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 70 في المئة، بحسب مجموعة “تكستايل إكستشانج” (Textile Exchange) غير الربحية، ومع ذلك تبقى هناك مشكلة وهي أنه من المرجح أن تطلق المواد البلاستيكية المعاد تدويرها جزيئات بلاستيكية دقيقة عند غسلها مما يلوث المياه.
وبعد أن نشطت تجارة التجزئة على الإنترنت تضاعف حجم ملابس السباحة والنشاط الرياضي المصنوعة من مواد معاد تدويرها أكثر من الضعف عام 2021 حتى يونيو مقارنة بعام 2020، وفقاً لمنصة ” “Edited لمعلومات التجزئة.
ووجدت دراسة حديثة أن إنتاج زوج من الأحذية يبعث 13 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون، كما أن إنتاج المواد المعنية، بما في ذلك الجلود والنايلون والمطاط الصناعي والبلاستيك يؤدي إلى أضرار بيئية هائلة.
وإنتاج الأحذية الرياضية خصوصاً تصدر عنه كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون على عكس أنواع أخرى، لذا قررت مجموعات إنتاج أحذية رياضية عصرية صديقة للبيئة أن تبتعد في عملية الإنتاج من استخدام مواد مضرة وتستبدل بها مواد صالحة لإعادة التدوير.
وتعتمد العلامات التجارية للأحذية الرياضية من “أديداس” و”نايكي” إلى أحذية “Veja” المصنوعة في البرازيل على مواد مستدامة تماماً، بما في ذلك مجموعة من الجلود والقطن العضوي والبلاستيك المعاد تدويره والمطاط البري والقنب في أحدث صيحات للموضة المستدامة التي اجتاحت عالم الأزياء الرياضية مثل ملابس السباحة المصنوعة من زجاج بلاستيكي تم انتشاله من المحيط.
وتسربت المخلفات البلاستيكية عملياً إلى كل قطاع، وتعتمد العلامات التجارية للأحذية الرياضية على هذه المخلفات للحصول على أوراق اعتمادها الخضراء، وكانت شركات أزياء عالمية مثل مجموعة “جي ستار” و”إتش أند إم” قد بدأت حملاتها الصديقة للبيئة منذ سنوات، بعد أن أعلنت سلطات عالمية مثل الاتحاد الأوروبي أن صناعة الأزياء واحدة من أسوأ مصادر التلوث في العالم، حتى إنها تأتي في المرتبة الثانية بعد النفط.
أزياء من البلاستيك
ابتكر مصممو الأزياء الراقية مظاهر بلاستيكية غريبة، وعرض المصمم الياباني تومو كوزومي عام 2019 فساتين ضخمة من الـ “أورغانزا” البلاستيكية المعاد تدويرها باللون الوردي الزاهي والأصفر والأزرق.
جويندولين كريستي تمشي على مدرج عرض أزياء تومو كويزومي
وفي عام 2019 أيضاً أعادت “برادا” طرح حقيبتها الشهيرة خلال التسعينيات من النايلون، وهي نسخة معاد تدويرها، ويمكنك حتى شراء كل هذا باستخدام بطاقة ائتمان “أميكس” المصنوعة من النفايات البلاستيكية.
وكل هذا بدأ عام 2007 عندما أطلقت شركة “يونيفاي” الأميركية ألياف بوليستر معاد تدويرها، وكانت شركتا “باتاجونيا” و”بولارتيك” لصناعة الملابس من بين أول عملائها.
وتشكل ألياف البوليستر المعاد تدويرها الآن نحو 40 في المئة من عائدات مبيعاتها، وهي تستخدم من جانب نحو 800 علامة تجارية، مما تبقى من منتجات “يونيفاي” هو ما يسمى المواد التركيبية العذراء.
أزمة تدوير المدار
الرئيس السابق للمجلس التصديري للملابس الجاهزة في مصر محمد قاسم يرى أن شركات الـ “Fast Fashion” تهتم بالبضاعة التي يتم تدويرها سريعاً وتتميز بالألوان الزاهية التي يرغبها الشباب المعنيون بحماية البيئة، غير أن ما ترفعه تلك الشركات من شعارات تتعلق بحماية البيئة هو “مجرد ترويج لزيادة مكاسبهم”، ولا يعطون الاهتمام الحقيقي للحفاظ على البيئة.
ورجح قاسم أن ينتهي المطاف بملابس السباحة البلاستيكية المعاد تدويرها في مكب النفايات أو العودة للبحر، إذ ينتج من الغسيل دخول المواد البلاستيكية الدقيقة إلى المياه.
ووجد تقرير لمؤسسة “Changing Market” أن عدداً من العلامات التجارية الخاصة بالملابس قد تورط في ممارسات التضليل البيئي والغسيل الأخضر لسنوات طويلة، خصوصاً بعد ازدياد وعي المستهلكين بأخطار صناعة الموضة السريعة على البيئة.
فعلى سبيل المثال أطلقت “إتش أند إم” عام 2019 خطها الخاص بالملابس “الخضراء” الذي يحمل اسم “Conscious”، مدعية أنه يستخدم القطن “العضوي” والبوليستر المعاد تدويره، لكن سرعان ما تبين أن الخط الجديد ليس سوى أسلوب تسويقي مضلل، إذ واجهت الشركة الانتقادات لأن المعلومات المقدمة في شأن الاستدامة لم تكن واضحة، كما أن ما يقرب من 60 في المئة من المعلومات المقدمة كانت ادعاءات مضللة أو غير مؤكدة، ووجد أن هناك واحداً من كل خمسة عناصر مستخدمة بهذا الخط مصنوعة من مواد تركيبية مشتقة من الوقود الأحفوري بنسبة 100 في المئة.
وبحسب الناشطة البيئية تولميا غريغوري “لن تصبح العلامة التجارية مستدامة ما دام نموذج الأعمال في الأساس يعتمد على الموضة السريعة والأرباح، أياً كان عدد القمصان العضوية التي تصنعها”.
وصرحت “إتش أند إم” بأنها تهدف إلى “زيادة استخدامنا للبوليستر المعاد تدويره كل عام، وعلى رغم أننا نحدد دائماً لأنفسنا أهدافاً طموحة إلا أننا نفعل ذلك بناء على الخبرة الموجودة ضمن فرق الاستدامة الخاصة بنا، إضافة إلى شركائنا المختلفين مما يجعل أهدافنا طموحة بصورة واقعية”.
وتقول دراسة حديثة إنه حتى لو حققت العلامات التجارية للأزياء أهدافها لإعادة التدوير فهناك مشكلة أخرى، وهي أن البوليستر المعاد تدويره ليس قابلاً لإعادة التدوير ميكانيكياً بحد ذاته، ومن المحتمل أن ينتهي به الأمر في مكب النفايات، والطريقة الوحيدة لتحقيق إعادة تدوير دائرية من المنسوجات هي إعادة التدوير الكيماوي، وهي عملية يتم فيها تقسيم النفايات البلاستيكية إلى مواد كيماوية أو زيوت، مما يوفر المواد الخام للبلاستيك في المستقبل.
ويقول باحث البتروكيماويات الرئيس في “إس أند بي غلوبال بلاتس” روب ستير، وهي شركة للتداول العام مقرها مدينة نيويورك، إنه “على المدى الطويل سيكون الحل لإعادة تدوير البلاستيك، خصوصاً الملابس المصنوعة من البوليستر، إعادة التدوير الكيماوي، وتفصلنا أعوام عن العمليات التجارية الكبيرة، ومن المحتمل أن يكون لها بصمة كربونية سيئة للغاية وستكون باهظة الثمن، إذاً نعم ستلبي الطلب لكن بأي كلفة؟”.
في الوقت نفسه فالإمدادات محدودة، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرة إعادة التدوير الضعيفة في العالم، فعلى الصعيد العالمي تقدر معدلات إعادة تدوير البلاستيك ما بين 14و 18 في المئة وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي الولايات المتحدة يتم إعادة تدوير 30 في المئة فقط من زجاجات “البولي إيثيلين تيريفثالات”، بحسب وكالة حماية البيئة الأميركية، وأوضحت شركة “أديداس” التي حولت 60 في المئة من البوليستر المعاد تدويره إلى مخزونها “أن الاستخدام المتزايد للبوليستر المعاد تدويره خلال الأعوام الأخيرة جعل كلف التوريد تنافسية بشكل متزايد مقارنة بالبوليستر البكر”.
وحتى 2019 كان سعر بلاستيك “البولي إيثيلين تيريفثاليت” المعاد تدويره 1050 يورو للطن، وهو سعر أقل بواقع 200 يورو من “البولي إيثيلين تيرفثالات” البكر، وقفز السعر إلى 1435 يورو بحلول العام 2021.
وفي دراسة استقصائية عن الشركات المتنامية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، تبين أن “أسوس” و”بوهو” والشركة التابعة لها “بريتي ليتل ثنغ”، و”مسغايدد” تحوي منتجاتها ثلاثة في المئة فقط من المواد التركيبية المعاد تدويرها، وفقاً للجمعية الملكية للفنون والتصنيع والتجارة.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي فرض ضريبة منذ عام 2021 على العبوات البلاستيكية البكر، كما فرضت المملكة المتحدة ضريبة على العبوات التي لا تحتوي على 30 في المئة من المحتوى المعاد تدويره في أبريل (نيسان) 2022.
سلبيات المواد الصناعية المركبة
نشر موقع “برايت سايد” تقريراً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ذكر فيه أنواع الأقمشة الصناعية وضررها على الجسم إلى جانب بديلها الطبيعي و”الآمن”، واعتبر التقرير أن البوليستر أحد الأقمشة الصناعية الأكثر شعبية واستخداماً، وعلى رغم أنه يمكن إنتاجه أحياناً بمزيج من المكونات الطبيعية مثل القطن إلا أن تأثيره على صحتنا قد يظل ضاراً، وأثناء ارتداء الملابس المصنوعة من البوليستر يصبح من الصعب على بشرتك التنفس، علاوة على ذلك تساعد درجات حرارة الجسم المرتفعة في إطلاق مواد كيماوية من هذا النسيج تمتصها بشرتك لاحقاً.
كما لا يعتبر النايلون الذي تصنع منه ملابس عدة مثل الجوارب والملابس الداخلية ويتم استخدامه بكثرة لأنه منتج متين وغير مكلف للغاية ويحظى بشعبية كبيرة، الخيار الأفضل صحياً لارتدائه على بشرتك العارية، لأن الملابس المصنوعة من النايلون لا تمتص العرق من الجلد بل تزيد التعرق مما يسبب انبعاث الروائح الكريهة والإصابة بالتهابات الجلد، وأيضاً أثناء إنتاجه يتم تبييض النسيج أو صبغه بمواد كيماوية مختلفة قد تسبب تهيجاً في الجلد، إضافة إلى الإسباندكس “ليكرا” الذي يتميز بأنه مرن وسهل التمدد ولذلك تصنع منه الملابس الضيقة، وهو مثل الأقمشة الاصطناعية الأخرى يتم تصنيعه من مواد كيماوية ضارة مثل “البولي يوريثان” أو “متعدد اليوريثان” التي تعتبر مادة مسرطنة، إ يمكن أن يؤدي التلامس المطول مع هذه الأقمشة إلى حدوث تهيج في الجلد وإصابته بالالتهاب.
وختم الموقع تقريره بذكر أنواع من الأقمشة البديلة والآمنة على صحة الإنسان، وهي القطن الطبيعي وصوف المارينو والكشمير والقنب والحرير الطبيعي والكتان.