حرية – (16/2/2023)
بعدما اجتاح زلزال مدمرٌ تركيا وسوريا يوم 6 فبراير/شباط 2023، زاد اهتمام كثيرين بمعرفة ما يجري في باطن الأرض، وسمع معظمنا عما يسمى “الصفائح التكتونية” التي تتحرك بسبب الضغط الشديد في باطن الأرض، مسببةً الزلازل. تلك الصفائح ما هي إلا جزء من طبقات الأرض المتعددة، التي وجد العلماء مؤخراً أنها تحتوي على خفايا لم نكن على علم بها من قبل.
طبقات الأرض
كما نعلم تتكون الأرض من طبقات مختلفة، ويعتبر “الغلاف الصخري” أول هذه الطبقات، فهو يشكل الطبقة السطحية الصلبة التي تعيش فوقها جميع الكائنات الحية.
يلي الغلاف الصخري ما يعرف بـ”الغلاف المائع” وهو طبقة تمتد من 100كم إلى 350كم تقريباً باتجاه باطن الأرض، وتمتاز طبقة الغلاف المائع بأنها طبقة ضعيفة نسبياً، خلاف الغلاف الصخري.
بعد الغلاف المائع توجد لدينا طبقة تدعى الغلاف الأوسط أو الوشاح، وهو طبقة من الصخور الممتدة على عمق يتراوح بين 350كم إلى 2900كم باتجاه باطن الأرض.
يلي الغلاف المائع ما يسمى باللب الخارجي الذي يوجد بحالة سائلة؛ لاحتوائه على عناصر ومعادن في حالة سائلة مثل الحديد والنيكل وغيرهما من العناصر، فهي بذلك مسؤولة عن نشوء المجال المغناطيسي لكوكب الأرض.
بعد اللب الخارجي لدينا اللب الداخلي، وهو طبقة تتعرض لضغطٍ عالٍ أكثر من الطبقات الأخرى، مما يجعلها ذات طبيعة صلبة، وتتشابه هذه الطبقة مع طبقة اللب الخارجي في التركيب المعدنيّ وتتميز بارتفاع درجة الحرارة فيها.
العلماء يكتشفون طبقة جديدة لزجة
بالعودة إلى طبقة وشاح الأرض، من المعروف أنها تتسم بالسخونة الشديدة، لكنها صلبة في أغلبها، إذ تحتوي على صخور يتشوّه شكلها ببطء بدلاً من أن تتشقق مثل صخور القشرة الأرضية (الغلاف الصخري) الأكثر برودة.
لكن كشفت دراسة جديدة، نُشرت نتائجها في دورية “Nature” Geoscience” العلمية، عن وجود طبقة من الصخور الذائبة (أو المنصهرة) على عمق نحو 93 ميلاً (150 كيلومتراً) تحت سطح الأرض.
ووفقاً لما قاله غونلين هوا، المؤلف الرئيسي للدراسة والباحث ما بعد الدكتوراه في علوم الأرض بجامعة “تكساس” الأمريكية، لموقع Live Science الأمريكي، إنَّ اكتشاف هذه الطبقة اللزجة سيساعد الباحثين، في فهمٍ أفضل لحركة الصفائح التكتونية والكيفية التي تطفو بها فوق هذه الطبقة اللزجة من الوشاح.
توجد الصخور الذائبة في طبقة “الأثينوسفير”، وهي الطبقة العليا من وشاح الأرض والمعروفة أيضاً باسم “الغلاف الموري” وتقع بين نحو 50 ميلاً (80 كيلومتراً) و124 ميلاً (200 كيلومتر) تحت سطح الأرض. لا يمكن بحث تلك الطبقة من الوشاح إلا من خلال رصد الموجات الزلزالية التي تسببها الزلازل، حيث يستطيع الباحثون تسجيل الموجات الزلزالية في محطات رصد الزلازل المنتشرة بجميع أنحاء العالم ومراقبة عن كثب، التغييرات الطفيفة في أشكال الموجات الزلزالية، التي تشير إلى أنواع المواد التي تنتقل عبرها تلك الموجات.
قال هوا: “توصَّل الباحثون، في السابق، من خلال هذا النوع من الدراسات إلى أنَّ بعض أجزاء طبقة الأثينوسفير أكثر سخونة من غيرها، إضافة إلى وجود بعض المساحات الذائبة. لكن لم يُعرف الكثير عن مدى عمق وانتشار هذه المساحات”.
لاكتشاف ذلك، جمع هوا وزملاؤه بيانات من آلاف الموجات الزلزالية المسجلة في 716 محطة حول العالم؛ ووجدوا أنَّ طبقة “الأثينوسفير” تحتوي على طبقة ذائبة جزئياً ممتدة أسفل ما لا يقل عن 44% من سطح كوكب الأرض، وليس مجرد مساحات صغيرة ذائبة. وجد الباحثون أنَّ هذه المنطقة موزعة على نطاق واسع حول العالم وقد تكون أكبر من ذلك بكثير، لأنَّهم لم يتمكنوا بعد من دراسة أسفل المحيطات، التي تشغل مساحة أكبر كثيراً من القارات.
ما تأثير هذه الطبقة على الصفائح التكتونية؟
لكن الغريب أنَّ هذه الطبقة الذائبة تبدو غير مؤثرة –على نحوٍ غريب- في حركات الصفائح التكتونية (التي تتحرك تحت الضغط مسببةً الزلازل). فقد وجد الباحثون أنَّ المساحات الذائبة لم تؤثر في لزوجة وشاح الأرض أو في ميله إلى التدفق.
قال هوا إنَّ “تلك الصخور الذائبة جنباً إلى جنب مع الصخور الصلبة ليس من السهل تشويهها، مقارنةً بالصخور الصلبة وحدها. لذا، عكس ما هو متوقع، لن تؤثر تلك المواد الذائبة -على الرغم من وجودها- في مدى سهولة تحرك الصفائح التكتونية فوق طبقة “الأثينوسفير”.
أشار مؤلفون مشاركون في الدراسة إلى أنَّ هذه معلومات مفيدة لبناء نماذج حاسوبية لشكل حركة الصفائح التكتونية.
قال ثورستن بيكر، أحد مؤلفي الدراسة والمتخصص في علم فيزياء الأرض (الجيوفيزياء)، بجامعة “تكساس”: “تدفعنا نتائج الدراسة إلى بحث هذه الطبقة الذائبة باعتبارها مؤشراً على ما يحدث في الأرض، بدون أن تحمل بالضرورة مساهمة فعّالة في حدوث أي شيء”.