حرية – (20/2/2023)
تختلف الرؤى في العلاقات العراقية الصينية فهناك من ينظر إلى الصين كنموذج للتنمية والبناء والتطور السريع فيما يرى أخرون أنه لا غنى عن الولايات المتحدة وأن الصين لا تدخل في سياسة التحالفات الضيقة رغم سعيها للاستحواذ الاقتصادي في العراق لاسيما النفطي.
ويعد العراق من المتلقين الرئيسيين لعقود مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتنظر بعض النخب السياسية العراقية إلى الصين كنموذج للتنمية، لكن الجماعات المختلفة ترى هذه الشراكة من خلال عدسة العوامل الجيوسياسية والأيديولوجية، وفق تقرير لمركز “وودرو ويلسون” الأمريكي.
تعميق العلاقات العراقية الصينية
يعمل العراق والصين على تعميق تعاونهما بعد أن رفعا علاقتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية عام 2015. واستغلت بكين والشركات الصينية ضعف الأمن والحوكمة ومناخ الاستثمار في جنوب وشرق العراق لتوسيع وجودهما، خاصة في قطاع الطاقة، بحسب التقرير الذي ترجمه “الخليج الجديد”.
في 2019، وقّع العراق والصين اتفاقية النفط مقابل البناء لمدة 20 عاما. لكن العلاقة الحقيقية بين البلدين بدأت بعد انقلاب صيف 1958، حين أطاح الجنرال عبد الكريم قاسم بالنظام الملكي في العراق.
وفي 16 يوليو/تموز 1958، استغلت الصين فرصة الاعتراف بالحكومة الجديدة، وكان للدعم الصيني لـ”العراق الثوري” تأثير كبير على النخب العراقية الجديدة، ولا سيما الفصائل اليسارية.
لكن علاقات الصين مع العراق كانت محدودة حتى العقدين الماضيين، ثم دفعت عوامل عديدة الطرفين إلى التقارب، بينها حاجة العراق إلى السيولة وإعادة الإعمار في أعقاب الصراع مع تنظيم “الدولة” وتأثير انخفاض أسعار النفط وتغيير وضع القوات الأمريكية بالعراق.
النفط مقابل البناء
الصين الآن واحدة من أهم شركاء العراق في التجارة والطاقة والبناء. ومن بين أمور أخرى، تعكس صفقة “النفط مقابل إعادة الإعمار” لعام 2019، والتي تم توقيعها في عهد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، التصور السائد بين بلدان نامية عديدة بأن التجربة الصينية هي نموذج أكثر جاذبية لتنميتها من غيرها.
وتجسيدا لمتانة العلاقات العراقية الصينية أعربت نخب عراقية عن إعجابهم بالمنشآت الصينية الرئيسية والإنجازات التنموية الهائلة. وبحسب وزير النقل العراقي السابق عامر إسماعيل، فإن السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي هو مَن طرح فكرة “النفط مقابل البناء” مع الصين.
ووفقا له، يذهب جزء كبير من عائدات العراق إلى النفقات المتكررة، بما فيها الرواتب، ما يجعل العراق محروما من الإيرادات لمشاريع البنية التحتية الكبرى.
وللتغلب على هذا النقص، يتعين على العراق البحث عن تدفق خارجي للأموال، وكان يُنظر إلى الصين على أنها مصدر محتمل من خلال مشاريع مبادرة الحزام والطريق.
التجربة الصينية
كما أن التجربة الصينية، على عكس النموذج الغربي، توفر أيضا إحساسا نفسيا بالراحة والثقة للنخب العراقية، فحتى وقت قريب، كانت الصين دولة فقيرة للغاية.
في 1978، كان 90% من سكان الصين يعيشون في فقر مدقع، وبحلول 2014 انخفضت النسبة إلى أقل من 1%.
ويؤكد “أنصار التنمية” الصينيون على البنية التحتية والبناء والجوانب المادية الأخرى للحكم مع التقليل من أهمية الحقوق الديمقراطية والحرية. وهنا ظهر المعنى الجديد “لصفقة النفط مقابل إعادة الإعمار”.
حلفاء إيران والصين
تصور نخب عراقية الولايات المتحدة على أنها غازية تقصف البلاد وترفض السماح لها بإعادة البناء، بينما يصورون الصين كنموذج للتنمية والتغيير السريع والهائل. وترتبط هذه المدرسة الفكرية ارتباطا وثيقا بالجماعات (الشيعية) العراقية الموالية لإيران.
إن رؤية الصين كموازنة ضد الولايات المتحدة في العراق والمنطقة هو اتجاه آخر بين بعض أعضاء النخب العراقية، الذين ينظرون إلى العلاقات الدولية على أنها شكل من أشكال بناء التحالف، لذلك يعتبرون الصين حليف محتمل.
لكن حقيقةً الصين لا تنخرط في سياسات التحالف، بينما هم يروجون بهدوء لفكرة استبدال الولايات المتحدة في العراق.
ووفقا لهذا الرأي، فإن الصين داعمة للجماعات العراقية الموالية لإيران والمناهضة للولايات المتحدة في العراق، وتحول إيران إلى الشرق يدعم ذلك.
وبينما تشجع الصين هذا النهج بشكل غير مباشر، فإنها لا ترحب به علنا، إذ تتمثل إحدى خصائص الدبلوماسية الصينية في المنطقة في الحفاظ على مسافة استراتيجية من جميع المجموعات المحلية.
يعبر رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي عن وجهة النظر هذه بشكل متطور إلى حد ما، فكمفكر ماوي سابق (أفكار ماو تسي تونج) في الستينات، دعا إلى دمج العالم الجديد وتفكيك العالم القديم.
عبد المهدي يرى في الصين بطلة “شعوب العالم النامي”، ووفقا لهذه المدرسة الفكرية، فإن الغرب لا يسمح للبلدان النامية بالازدهار فضلا عن الغزو ونهب الثروات والتبادلات غير المتكافئة والاحتكارات. ولأنه يعتبر الهيمنة غربية حصرا، فمن الواضح أن مقاربته رجعية وأيديولوجية.
الأكراد والعلاقة مع الصين
لدى الأكراد وجهات نظر متنوعة بشأن الصين، فمثلا اعتبر الرئيس العراقي السابق زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني ماو والماوية “قدوة سياسية”.
تم تشكيل هذا من قبل الماوية العالمية في الستينات. ووفقا لطالباني، فإن الصين أقرب إلى كردستان العراق من حيث الهياكل الاجتماعية والاقتصادية، لذا فإن الماوية أكثر توافقا مع الوضع الكردي في العراق.
هذه النظرة المثالية إلى حد ما ساعدت في إقامة علاقات وثيقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والصين، ما أدى إلى علاقات بكين مع الأكراد في العراق.