حرية – (28/2/2023)
الولايات المتحدة مستمرة في السيطرة على الأموال النابعة من الثروة النفطية العراقية واستخدامها كوسيلة للابتزاز وذلك بعد غزوها العراق بطريقة غير شرعية في آذار/مارس 2003 وعلى الرغم من انسحاب قواتها، حسب تقرير لموقع فرنسي.
السيطرة على الثروة النفطية العراقية
استعرض موقع “أوريون21” الفرنسي ممارسات الولايات المتحدة، في السيطرة على الأموال الناتجة عن الثروة النفطية العراقية، على الرغم من انسحاب قواتها، رغم مرور 20 عاما على الحرب.
وقال موقع “أوريون21″، في تقريره إنه في بداية كانون الأول/ديسمبر 2022، شعر التجار في بغداد بالقلق من الارتفاع المفاجئ في العملة الأمريكية، حيث تطلب الأمر المزيد من الدينار العراقي لشراء الدولار، الذي بلغ 1200 دينار عراقي في الأوقات العادية، و1470 دينارًا وحتى 1750 دينارا في السوق السوداء في منتصف كانون الأول/ديسمبر.
لكن ارتفاع سعر الصرف بنسبة 45 بالمئة ليس بالأمر المألوف في بلد، بعد سنوات من العقوبات الغربية والحرب الأهلية، لا يكاد ينتج أي شيء سوى النفط ويستورد كل استهلاكه المحلي تقريبا.
وبين أنه بعد أن اعتاد الرأي العام على استقرار ملحوظ في سعر صرف الدولار مقابل الدينار في السنوات الأخيرة، أصبح الأمر مثيرا للقلق في الفترة الأخيرة.
حيث يُباع برميل النفط بأسعار مرتفعة للغاية، ما بين 80 و90 دولارا (ما بين 75.58 و85 يورو)، واستؤنف الإنتاج بنحو 4.5 ملايين برميل يوميا.
وبحسب رئيس الوزراء العراقي السابق، تقترب احتياطيات النقد الأجنبي العامة من 100 مليار دولار أي ما يعادل 95 مليار يورو.
صعود الدولار موت الفقراء والأطفال
في الأثناء، سرعان ما اندلعت احتجاجات في الشارع وظهر المتظاهرون الأوائل يلوحون بلافتات كتب عليها: “صعود الدولار = موت الفقراء والأطفال” أو “أين البرلمانيون أصدقاء الشعب؟”.
وأبرز الموقع أنه تحت الضغط، أعلن محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الجديد الذي تولى المنصب منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2022، والمنتمي إلى حزب الدعوة الشيعي الذي يحكم منذ سنة 2005، الإجراء الأكثر ملاءمة والذي تمثل في تغيير محافظ البنك المركزي العراقي.
ليحل محله أحد أصدقائه السياسيين، بالإضافة إلى دعم المنتجات الأساسية وقمع الصرافين في السوق الموازي، لكن الوضع لم يتحسن.
فقد ازداد الغضب الشعبي على السلطات المحلية المتهمة بكل المشاكل التي تعاني منها البلاد.
نظام تم تنفيذه أثناء الاحتلال
وأشار الموقع إلى أنه لا أحد يتذكر أنه منذ 22 أيار/مايو 2003، لم تعد أرباح العملات الأجنبية من شركات النفط تذهب إلى الخزانة العراقية، ولكن إلى حساب تم فتحه باسم البنك المركزي العراقي في فرع نيويورك لنظام الاحتياطي الفيدرالي، النظام المصرفي المركزي للولايات المتحدة.
وتم تنفيذ هذا النظام بعد يوم من احتلال البلاد، في عهد “الحاكم” في ذلك الوقت، بول بريمر، بأمر تنفيذي، بعد مرسوم رئاسي وقعه الرئيس جورج بوش.
وأمام وسائل الإعلام؛ برر الأمريكيون ذلك بذريعة مسألة التعويضات غير المحسومة بسبب غزو الكويت في الثاني من آب/ أغسطس 1990 من قبل فرق مدرعة تابعة لصدام حسين.
ففي ذلك الوقت طالبت عائلة آل صباح الحاكمة بأكثر من 350 مليار دولار (330.68 مليار يورو)، وتم إبرام الاتفاقية أخيرا في سنة 2010 مقابل 52 مليار (49 مليار يورو) تم سدادها في شباط/ فبراير 2022.
ومع ذلك، لم يتم حذف حساب البنك المركزي العراقي في نيويورك ولم يستعد العراق سيادته النقدية والمالية.
ووفق الموقع؛ يعمل هذا الحساب مثل أي حساب مصرفي ولمدة عشرين عاما، ونادرا ما يسمعون عنه.
وكل شهر، تقوم شاحنة تزن 10 أطنان بتحميل مليارات الدولارات من مجمع الاحتياطي الفيدرالي في نيوجيرسي، ثم إلى طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية، متجهة إلى بغداد.
وبهذه الطريقة يستفيد كلا الطرفين؛ يحصل العراق بسهولة على الدولارات، بينما تحتفظ واشنطن، في الواقع، بسيطرة معينة على ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد المملكة العربية السعودية.
وتابع أنه بعد ذلك في بغداد؛ ينظم البنك المركزي العراقي مزادا بالدولار، وهو سوق الصرف الأجنبي حيث يتم بيع الدولارات الأمريكية لمن يدفع أعلى سعر، والمشترون كثيرون.
حيث إن هناك أكثر من 1000 مؤسسة مالية ومصرفية في العراق وعمليات الاحتيال كثيرة.
الثروة النفطية العراقية في جيوب إيران وسوريا
وأورد الموقع أن العديد من هذه المؤسسات لها نشاط ضئيل وتعمل بشكل أساسي كواجهة للمصالح الأجنبية التي أقرتها واشنطن.
ففي سنة 2020؛ هدد الرئيس دونالد ترامب بقطع شحنات الدولار، فلم يعد بإمكان البيت الأبيض أن يتحمل هذا الجزء من الدولارات العراقية الذي ينتهي به المطاف في جيوب إيران وحلفائها، سوريا بشار الأسد وحزب الله اللبناني – الخاضعين للعقوبات الأمريكية – ناهيك عن العائلتين الكبيرتين في كردستان اللذيْن يعملون كوسطاء للمصالح التركية.
في المقابل، يثير وصول محمد شياع السوداني إلى السلطة – وهو حليف ترضى عنه إلى حد ما طهران – غضب مكتب وزارة الخزانة في واشنطن، وهو مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الذي سئم من حكم الكليبتوقراطية الذي يسيطر على العراق منذ فترة 2010-2012.
ولفت الموقع إلى أن هناك ثلاثة بنوك ممنوعة من الوصول إلى نظام الاتصالات بين البنوك (سويفت)، حيث يُطلب من البنك المركزي أن يطلب من مشتري الدولارات تقديم العديد من التفاصيل حول الاستخدام النهائي للعملات المشتراة؛ وتكون الإجراءات محوسبة.
لكن المصرفيين العراقيين والعديد من عملائهم قاطعوا الإجراءات الجديدة.
وأوضح أن أمانة الخزانة الأمريكية قامت بتسليم شحنات الأوراق النقدية في شكل حصص، وحسب بعض المصادر المطلعة.
فقد تراجعت هذه الحصص من 250 مليون دولار في اليوم (236 مليون يورو)، إلى 150 (141.72 مليون يورو)، أو حتى 20 أو 30 مليون دولار (19 إلى 28.34 مليون يورو) في كانون الثاني/ يناير.
وذكر الموقع أنه سرعان ما كان لذلك عواقب فورية على المستهلكين العراقيين وتصاعدت الاشتباكات مع الشرطة في محيط ساحة الخلاني ببغداد.
ومؤخرا يوم الخميس الثاني من شباط/ فبراير، أجرى رئيس الوزراء العراقي محادثة هاتفية مع رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن دون أي تقدم يُذكر.
“سيد العقوبات” الأمريكي
وبعد فترة وجيزة، التقى مساعد وزير الخزانة الأمريكي، بريان نيلسون، “سيد العقوبات” الأمريكي، برفقة أحد رؤساء مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، في إسطنبول مع محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق.
وفي بيان صحفي أمريكي حث على “استمرار التنسيق والتعاون كما هو الحال دائما” لتقييد وصول “الفاعلين غير الشرعيين والفاسدين” إلى النظام المالي الدولي.
كما أشاد بجهود البنك المركزي العراقي في “تحسين الامتثال للمعايير” وعبر عن استعداده “للتعاون في تحديث القطاع المصرفي العراقي”.
وأضاف الموقع أن الحاكم العراقي لم يحرك ساكنا، وفي الأثناء يسعى المتعاونون معه إلى توفير الدولارات واستبدالها باليوان الصيني في التجارة مع جمهورية الصين الشعبية.
إلى جانب ذلك؛ منذ الثامن من شباط / فبراير، وصل وفد عراقي إلى واشنطن ليضاعف عدد الاجتماعات.
لكن لسائل أن يسأل، هل انتهى العقاب؟ من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت شاحنة نيوجيرسي ستستأنف الخدمة.
ومن الواضح أن بغداد قد انحنت أو تخاطر بإغراق اقتصادها في أزمة اقتصادية كارثية.
وفي الختام، قال الموقع إن العراقيين لديهم ذكريات مريرة عن الحصار الذي كان يخضع له نظام صدام حسين قبل سنة 2003.
كما أن هناك ضغوطًا مزدوجة تمارس على الحكومة العراقية؛ حيث تدفعها طهران للابتعاد عن الولايات المتحدة، بينما تحلم واشنطن بضمها إلى صفها في حملتها الطويلة ضد إيران.