حرية – (6/3/2023)
لم تمض سوى خمسة أيام فقط على إقرار مجلس الوزراء برئاسة محمد شياع السوداني حزمة رسوم إضافية على استيراد منتجات عديدة من بينها الخمور، حتى نشرت جريدة الوقائع الرسمية قانونًا يعود تشريعه لعام 2016 يحظر استيراد الخمور وتصنيعها وبيعها. المفاجئ أن هذا القانون كان قد مضى على تشريعه أكثر من ست سنوات، وهو ما أثار العديد من الجدل بين نشطاء اعتبر عديدون منهم أن هذا القرار يصب في مصلحة “إنعاش سوق المخدرات” في العراق.
حظر استيراد وبيع وتصنيع الخمور، جاء في المادة 14 من قانون واردات البلديات، الذي صوت عليه وشرعه البرلمان العراقي في دورته الثالثة، وتحديدًا في تشرين الأول/أكتوبر 2016، فيما عاقب القانون من يخالف المادة بغرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار ولا تزيد على 25 مليون دينار عراقي.
وطوال السنوات الست الماضية، بقي القانون حبيس أدراج رئاسة الجمهورية، بالرغم من كونه يعتبر مصادقًا عليه بعد مرور 15 يومًا على استلامه من قبل رئاسة الجمهورية، بحسب المادة 73 من الدستور، إلا أنّ تنفيذ القانون كان مشروطًا كما غيره من القوانين بنشره في الجريدة الرسمية، وحتى الآن يعد نشره بشكل مفاجئ بعد مرور أكثر من 6 سنوات أمر غير مفهوم، خصوصًا وأنه جاء بعد 5 أيام فقط من إقرار مجلس الوزراء ضريبة إضافية على استيراد الخمور، حيث تم نشر القانون في 20 شباط/فبراير 2023.
أما رئيس حركة الرافدين، يونادم كنا، فقد قال إنّ القانون المطروح “لم يكن للمشروبات الكحولية، وإنما قانون جبايات البلدية لمعالجة التضخم في السوق”.
ويستدرك كنا بالقول: “لكن بعض الجماعات المتشددة في البرلمان العراقي حشرت هذا القانون حشرًا، وقد فرض على مشرعي قانون جباية البلديات”، معتبرًا أنه يخرق الدستور، ويعلل ذلك بأنه “لا يجوز تشريع قانون يتعارض مع الديمقراطية أو مع الحقوق والحريات”.
وفي 14 شباط، أقر مجلس الوزراء حزمة من الرسوم الإضافية على عدد من المنتجات المستوردة، من بينها الخمور، حيث قرر المجلس فرض رسم جمركي إضافي بنسبة (200%) من وحدة قياس منتج (المشروبات الكحولية)، المستورد إلى العراق من الدول والمناشئ كافة، لمدة أربع سنوات دون تخفيض، ومراقبة السوق المحلية خلال مدة تطبيق الرسوم الجمركية الإضافية.
ويجدر الوقوف هنا على مفردة “الإضافية”، حيث أنّ هذه النسبة ستضاف إلى النسبة الأصلية، وأجرى مراجعة لمعرفتها.
وفي 2021، ومع فترة إعداد الموازنة العامة في نيسان/أبريل 2021 تحت إشراف وزير المالية علي علاوي، وما كان يشهده العراق من أزمة مالية بفعل انخفاض أسعار النفط وآثار كورونا وتوجه الحكومة لرفع الإيرادات غير النفطية، تم فرض ضريبة بنسبة 200% على المشروبات الكحولية.
وقبل هذا القرار بشهر واحد، كان تقرير ضوابط المهن التجارية للهيئة العامة للضرائب، يشير إلى أنّ قيمة الرسم على الخمور تبلغ 100%.
وفقًا لذلك، وفي حال افتراض أنّ نسبة الـ200% انتهت مع قانون موازنة 2021، فهذا يعني أنّ النسبة الأساس عادت إلى أصلها البالغ 100%، لذا فأنّ الضريبة الإضافية البالغة 200% المقرة من قبل مجلس الوزراء الحالي، سترفع نسبة الرسوم على المشروبات الكحولية المستوردة لتكون 300%، بدلًا من 200% في 2021.
ويتضح من قرار مجلس الوزراء أنه لايهدف إلى حماية المنتج المحلي فقط أو يستهدف الكحول لأسباب أخرى، بل هو توجه يشابه نسبيًا ما ذهبت إليه الحكومة السابقة لتعزيز مواردها الدولية المالية، خصوصًا وأن حكومة السوداني ومن خلال عدة قرارات تظهر وكأنها تستهدف “سلب الدعم” الحكومي من أصحاب الموارد المالية الجيدة وأصحاب “المرفهات”، ويعد قرار وزارة الاتصالات بإطلاق الإنترنت المدعوم مثالًا على ذلك، إذ وصفته الوزيرة هيام الياسري حينها بأنه “دعمًا للعوائل المتعففة”، حيث يستهدف دعم “من يستهلك ميغات قليلة”، وذلك لأن الـ100 غيغا التي يوفرها الاشتراك المدعوم بـ15 الف دينار، لا تكفي إلا لمن لايستخدم الإنترنت سوى بالمراسلات والاطلاع على الأخبار والاستخدامات البسيطة “لا الترفيهية”.
ولمعرفة كم كانت ستكسب الحكومة العراقية من قرار رفع رسوم استيراد الكحول إلى 300%، فإنه في 2021 استورد العراق مشروبات كحولية “المسجلة عبر المنافذ الرسمية” بأكثر من 7 مليون دولار، أما في 2020، فقد بلغت أكثر من 12 مليون دولار.
وقد شهد العامان الماضيان إغلاقًا لبعض الأشهر من العام بسبب جائحة فيروس كورونا، ما يعني أنّ الاستيراد كان سيكون أكبر خلال العام الحالي عبر المنافذ الرسمية، وكحد أدنى؛ يمكن اعتبار أنّ أقل معدل استيراد سنوي للكحول عبر المنافذ الرسمية 10 مليون دولار، ما يعني أقل معدل رسوم جمركية كان من الممكن أن تحصل عليه الدولة سيبلغ 30 مليون دولار في حال تطبيق قرار مجلس الوزراء برفع الرسوم الجمركية إلى 300%.
بالمقابل، لم تظهر مؤشرات حتى الآن على تطبيق قانون حظر بيع وتصنيع المشروبات الكحولية، ولم تنفذ الحكومة أي عمليات لإنفاذ هذا القانون، لكنّ الجمارك وجهت في 4 آذار/ مارس، كافة مناطقها الجمركية بمنع دخول المشروبات الكحولية.
هذا القرار بحسب مراقبين، سيعزّز من دخول المشروبات الكحولية عبر المنافذ غير الرسمية، في الوقت الذي يعتقد آخرون أنّ الدولة ستستفيد من فرض الغرامات المقرة بالقانون، حيث أنه لا توجد أية عقوبة في القانون من قبيل الحبس أو الإغلاق أو أية عقوبة أخرى غير الغرامات التي تتراوح بين 10 إلى 25 مليون دينار، خصوصًا وأنّ القانون لم يفرض عقوبة الغرامة على “المشتري”، بل على البيع والاستيراد والتصنيع، أي على أصحاب الأعمال في هذه التجارة الذين غالبًا يستطيعون دفع هذه الغرامات بسهولة مقابل استمرار أعمالهم، وليس على المستهلك.