حرية – (12/3/2023)
شربل صفير
استيقظ المجتمع الدولي الجمعة على عودة العلاقات الثنائية بين السعوديّة وإيران بعد عقود من التوتر وسنوات من اللقاءات غير المعلنة، وأكثر من خمس سنوات قطيعة بينهما، وكان للعراق بحسب مصادر دبلوماسية غربيّة الفضل الأكبر في استئنافها وتحديدًا خلال ولاية رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي، عندما التقى كبار المسؤولين في إيران، وعلى رأسهم الرئيس إبراهيم رئيسي.
وساطة عراقية
وأوضحت مصادر مطّلعة أنّ ما بذله الكاظمي في هذا الإطار بفضل علاقاته الجيدة مع الدول الغربية يُعطي دفعة نوعيّة في تعاون دول المنطقة، من أجل إطار يحقّق تطلعات جميع الأطراف ويؤذن بتدشين مرحلة جديدة، مؤكدة أنه بموجب هذا الاتفاق ستبدأ صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وأكدت المصادر أن الكاظمي ورغم انتهاء ولايته عاد بشكل رسمي إلى أداء دور الوسيط ضمن الجهود العراقية، وحكومة محمد شيّاع السوداني وافقت على ذلك، لوجود رغبة سعودية إيرانية في استمرار الكاظمي بدوره السابق في ملف الوساطة التي توّجت بنجاح غير متوقّع.
وتحدّثت المصادر عن الزيارة الأخيرة التي قام بها الكاظمي إلى طهران والتي أسّس لها عندما تولى رئاسة الحكومة العراقية عام 2020، مضيفة أن “الكاظمي بصفته وسيطًا، نقل رسائل جديدة وقتها بين الإيرانيين والسعوديين، اعتبرت إيجابية وبشّرت بحصول تقدم كبير خلال الفترة الماضية على مستوى العلاقات بين البلدين.
من جهته، رجّح مسؤول فضّل عدم الكشف عن إسمه إمكانية استضافة بغداد لقاءً رسميًا بين السعودية وإيران في وقت قريب، على أثر ما وصفه “رسائل إيجابية تمّ نقلها للطرفين خلال الفترة الماضية”.
وبيّن أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أبدى تجاوبًا خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد في هذا الصدد، وأن السعوديين نقلوا رسائل مماثلة خلال وجود الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في بغداد مطلع شهر فبراير/شباط الفائت”.
ولفت المسؤول إلى أن “لقاء رئيس الجمهورية السابق برهم صالح مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منذ مدّة كان لإطلاعه على نتائج الحوار الذي قاده الكاظمي في إيران وتمّ الاتفاق على أن يكون الجهد موحدًا في هذا المجال، لافتًا إلى أنّ توقيت الزيارة الأخيرة للكاظمي ولبرهم صالح والتقدّم الحاصل في سير الوساطة العراقية، تمّ بعد حصول قناعة لدى الرياض وطهران أنه لا بد من إنهاء الصراع الدائر في المنطقة، وهو بطبيعة الحال أمرٌ سيصب بمصلحة العراق.
وبيّن المصدر، أنّ “جانبًا مهمًا من الفوضى السياسية العراقية والصراعات الداخلية، سببها المباشر صراعات إقليمية وتضارب مصالح دول داخل العراق عبر أذرعها الحزبية والسياسية”. ورأى أنه “مع الدور المهم الذي قام به الكاظمي وتقريبه لوجهات النظر في ما بين الدول المتخاصمة، فذلك سينعكس إيجابًا على الداخل، وبالتالي تقتنع تلك الدول بأنه ليس من مصلحتها أن يكون هناك صراع عراقي داخلي يضرّ بمصالحها.
مفاوض بارز
وحول الحوار الدبلوماسي وما قام به العراق من خطوات دبلوماسية ناجحة بين السعودية وإيران، يؤكد المحلل السياسيي العراقي، علي السامرائي، أنّ توالي الزيارات بين المسؤولين السعوديين والعراقيين يعكس هذا الأمر، فضلاً عن توالي الزيارات المماثلة بين نظرائهم الإيرانيين إلى بغداد، يؤكد مدى أهمية العراق كحلقة مفصلية في إعادة التوافق السعودي الإيراني، الذي توّج في العاشر من شهر مارس/آذار الحالي.
واعتبر السامرائي في حديثه له أن “الكاظمي يتمتع بعلاقات شخصية جيّدة مع قادة كبار وسياسيين في المنطقة وخصوصًا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من الممكن استثمارها لتحقيق أهداف سياسية تصبّ في مصلحة العراق الذي يهمه جدًا أن تتحسن العلاقات بين الرياض وطهران”.
وأضاف أنّ العراق عانى بالأخص من توتر العلاقة بين الرياض وطهران طيلة الفترة التي سبقت بدء المفاوضات بين الجانبين والتي لم تجد مناخًا ولا مزاجًا مناسبًا ومحفزًا كما وجدته بعهد الكاظمي، وقد تحققت إبّان مدته القصيرة أكثر من 5 جولات من المفاوضات بين إيران والسعودية في بغداد، حقّقت تقدمًا حسب تصريحات المسؤولين الايرانيين والتي أفضت أخيرًا إلى عودة تامة للعلاقات واتفاق على تبادل السفراء من جديد، وبحضور وإشراف دولي.
وأكد السامرائي أنّ إدارة الكاظمي وإشرافها مهّدت لهذه النهاية السعيدة التي طوت صفحة الخلافات بين السعودية وإيران وأسّست لمرحلة جديدة عنوانها “السلام” الذي تريده جميع الدول والحكومات المرتبطة بمنطقة الخليج والشرق والاوسط، والذي سينعكس لاشك بالدرجة الاساس على استقرار ورفاهية الشعب العراقي، اذا ما التزمت الاطراف كافة ببنود الاتفاقيات ونبذت العنف وحالة اللاستقرار في منطقتنا الحساسة وموقعها المتميز.
وأضاف السامرائي: “يقال عن الكاظمي إنه يعرف كيف يكون صديقًا للجميع، فهو يعتبر شخصية لا تعادي أحدا، صاحب عقلية براغماتية ومفاوض بارز، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأميركيين، وعلاقة عادت إلى مجاريها خلال السنوات القليلة الماضية مع الإيرانيين”.
اختبار للحكومة العراقية
وحاليا، تتجّه الأنظار وفق رئيس المرصد العراقي للحريات الصحافية، هادي جلو مرعي، نحو رئيس وزراء العراق الحالي محمد شياع السوداني، وتحديدًا بشأن قدرته على القيام بالدور نفسه الذي كان يقوم به رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي، خصوصًا وأن زيارة وزير الخارجية السعودي للعراق أخيرًا، كانت اختبارًا لرئيس الحكومة الحالية في ظروف معقّدة، بشأن استئناف الحوار بين طهران والرياض.