حرية – (19/3/2023)
دعا “معهد الشرق الاوسط” الامريكي، في تقرير له يعكس وجهة نظر من بروكسل ممثلة للاتحاد الأوروبي، إلى لعب دور مهم لتعزيز الجغرافيا السياسية الجديدة للعراق والمنطقة، والتي تهدف الى بناء الجسور، بدلا من بناء تكتل هدفه التصدي لإيران.
وأكد التقرير, ان العراق بامكانه ان يكون في الطليعة كجزء من اجندة اقليمية ايجابية جديدة، بحيث لا يكون ساحة للمعركة وإنما منصة للانخراط الاقليمي.
وبعدما اشار التقرير الى ان غزو العراق في 2003، برغم انه مثير للجدل ومشؤوم، الا انه كانت له ميزة انهاء نظام صدام حسين الوحشي، لكن العراق بعد 20 عاما على الحرب، لا يزال غارقا في تحديات رهيبة، من بينها الأحوال المناخية الحادة التي اضيفت الى سلسلة طويلة من المشكلات التي تبدو مستعصية على الحل في الميادين الاقتصادية والديموغرافية والأمنية والحوكمة والسياسية، حيث مثلا تدور خلافات داخل المعسكر الشيعي، تؤشر الى حالة الاستقطاب المستعصي الذي قد يقود الى العنف.
واوضح التقرير الذي كتبه النائب في البرلمان الأوروبي دومينيك رويز ديفيزا وهو نائب رئيس الوفد الأوروبي المكلف العلاقات مع العراق، بالاضافة الى ان الخبير بالشؤون الاوروبية ايمليانو ايلساندري، ان الانقسامات العراقية جرى استغلالها بشكل متوقع من جانب الأطراف الخارجية، وان الشرق الاوسط واجه التحدي المزدوج المتمثل في تعزيز المنافسة بين الدول في وقت تكون فيه حوكمة الدولة هشة او متنازع عليها.
وتابع قائلا انه كنتيجة لذلك، فان الجغرافيا السياسية للعراق جرى توصيفها بدرجة كبيرة بالضعف والانقسام والتدخل الاجنبي. ولهذا، يعتبر التقرير ان اي نقاش حول مستقبل العراق يجب ان تضاف اليه جرعة من الواقعية، موضحا ان عدم الاستقرار الداخلي سيظل ولو الى حد ما، من ضمن النظام المؤسسي القائم.
غير ان التقرير اعتبر انه من المهم ايضا الاعتراف وتشجيع المؤشرات التي لا تزال هشة ولكنها تثير الامل، حول ازالة الصراع ووقف التصعيد، مضيفا ان هذه الجهود المهمة تبذلها مجموعة من الاطراف الفاعلة الدولية وكذلك الحكومة في بغداد نفسها، وتستهدف تحويل العراق من ساحة معركة، بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة، الى منصة للانخراط الاقليمي.
وفي هذا السياق، استعاد التقرير ديناميكيات مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي تم اطلاقه قبل عامين والتي تساهم في تخفيف عدم الاستقرار من خلال الانتقال من المنافسة الصفرية الى لعبة محصلتها ايجابية، من خلال التآزر بين العراق وجيرانه، مشيرا الى ان هذه الصيغة فريدة من نوعها لانها ايضا “مفتوحة امام مشاركة ايران”.
كما لفت الى ان التطور الاخير في العلاقات الايرانية-السعودية، يمكن ان يساهم في قيام اتصالات مباشرة بين طهران والرياض في سياق “مؤتمرات بغداد” المقبلة، والتي كانت شهدت في السابق لقاءات بين الايرانيين ممثلي دول سنية، ما يشكل مؤشرا على ذوبان التوترات.
وتناول التقرير استثمار بعض جيران العراق في العملية الدبلوماسية، بدءا من الأردن ومصر، بالاضافة الى انهما تتخذان خطوات ملموسة نحو تعزيز تحالف ثلاثي مع العراق، وان من بين المشاريع الاخرى المبادرات لربط شبكات الكهرباء الخاصة بهم، وتنويع الاقتصادات المحلية، وتعزيز صادرات العراق من النفط الى جيرانه، مع معالجة التحديات المتزايدة للمناخ.
واضاف ان الزيادة الاخيرة في الانخراط المصري الاردني والعراقي تمثل “خطوة مرحب بها نحو استقرار العراق من خلال تعزيز التعاون الاقليمي”.
وبعدما لفت الى ان الهياكل التعاونية هذه لا تزال هشة للغاية، اشار الى ان واشنطن اشادت باستئناف الحوار الاقليمي حول العراق، لكن ادارة الرئيس الحالي جو بايدن واصلت الى حد كبير سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب المتمثلة في حشد جبهة سنية مستعدة للعمل مع اسرائيل من اجل احتواء ايران، لافتا الى ان ذلك يحصل فيما يتراجع نفوذ ايران في العراق مقارنة بالسنوات الماضية.
ونبه التقرير من تحويل اي وضع متعدد الاطراف من اجل الضغط بشكل مباشر او غير مباشر على ايران، من دون ايلاء الا الاهتمام القليل لما يمكن ان يعنيه “انتقام” طهران، على استقرار العراق المتعافي جزئيا.
وبعدما اقر التقرير بان ايران تعتبر لاعبا يجب ان يتم احتواءه، بعد تعزيز تعاونه العسكري مع روسيا وقمع مواطنيه، الا انه لفت ايضا الى انها دولة مستعدة لتعزيز عدم الاستقرار في العديد من المسارح الاقليمية، وبالتالي، “قد لا تكون سياسة الاحتواء وحدها كافية”، وانه قد يتضح ان سياسة بناء الجبهة قد يكون هدفا غير قابل للتحقق بالكامل وهو ما يظهر في الانفراج الاخير الذي توسطت فيه الصين بين ايران والسعودية.
دور للاتحاد الأوروبي
وفي حين اشار التقرير الى السياق الاقليمي الذي تهيمن عليه الخصومات القديمة والجديدة، وتميل الاطراف اللاعبة مثل الصين الى التدخل بشكل متزايد حيث فيشل الغرب، اعتبر ان على الولايات المتحدة واوروبا بذل الكثير من الجهد لترويض الانظمة المثيرة للمتاعب ومحاولة تحسين افاق المنطقة ككل.
واوضح ان هذه المقاربة الثنائية، تعتبر امرا حاسما من اجل تجنب انزلاق الشرق الاوسط الى مزيد من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية، الامر الذي من شانه ان يؤدي بدوره الى تفاقم التنافس بين الدول.
ولهذا، يعتبر التقرير ان بامكان اوروبا ان تعلب دورا مهما من اجل تعزيز الجغرافيا السياسية الجديدة للعراق والمنطقة، والتي تهدف الى بناء الجسور بدلا من تشكيل التكتل والجبهات.
وذكر بدعوات اوروبية من اجل اشراك العراق في المبادرات والشبكات التي من شأنها ان تعزز بشكل اقوى مستقبل البلاد في الفضاء الاورومتوسطي مثل الاتحاد من اجل المتوسط الذي منذ تأسيسه في العام 2008 ، كان بمثابة منتدى للحوار الاقتصادي والاجتماعي، ويحاول معالجة القضايا الامنية الاساسية في المنطقة.
واشار الى ان ارتباط العراق بالاتحاد من اجل المتوسط (أو حتى العضوية الكاملة) يمكن ان يوفر وسيلة من اجل زيادة ارتباطه بجيرانه الإقليميين (مصر والاردن، ولكن ايضا تركيا واسرائيل ودول اخرى اعضاء في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مثل لبنان) مع تعزيزها بصلات اقوى مع الاتحاد الأوروبي.
ودعا التقرير الى انخراط العراق في مشاريع ذات نطاق اقليمي حول القضايا الحساسة مثل ادارة المياه، والتي ستكون بمثابة امتحان اساسي لقدرة منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا على التكافل او الانهيار.
وبمعنى اخر، يدعو التقرير الى الاستثمار الاقليمي واثراء استراتيجية الاتحاد الاوروبي حول العراق بعناصر اقوى للتنمية الاقتصادية الاقليمية، بما يقوي النقاش حول مستقبل العراق خلال الشهور المقبلة.
وختم التقرير بالقول انه مع حلول الذكرى السنوية ال20 للهجوم الامريكي على العراق، والتذكير الذي تقدمه الاحداث في اوكرانيا بالفظائع المرتبطة بالصراع العسكري، فانه يتحتم ان يتم الترحيب بأي مساهمة تؤدي الى استبدال جغرافيا المواجهة، باخرى تعزز الانخراط المشترك.
واضاف التقرير ان العراق، برغم تاريخه الحديث المضطرب، او ربما بسببه، يجب ان يكون في الواجهة ومركزا في اجندة اقليمية ايجابية جديدة.
وخلص الى القول ان الاتحاد الاوروبي، ومن خلال الرؤية الصحيحة والإرادة السياسية الكافية، بامكانه ان يكون جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة والشركاء المعنيين في المنطقة، هو من يروج بشكل رئيسي لهذا النهج الجديد.