حرية – (28/10/2023)
تحولت أكشاك الهواتف العمومية الحمراء رمزاً للمملكة المتحدة وللندن خصوصاً، لكن معظمها أحيل على التقاعد في عصر الهواتف المحمولة، فأفادت منها أكثر من جهة لأغراض أخرى.
منذ ظهورها في عشرينيات القرن الماضي، أصبحت هذه الأكشاك الحمراء أحد المعالم الرئيسة المرتبطة رمزياً بلندن والمملكة المتحدة بأكملها وأصبحت مرادفة لهما، لكن معظمها غاب عن المشهد منذ ظهور الهواتف المحمولة.
لم يعد يوجد اليوم سوى 20 ألف هاتف عام صالح مقارنة بنحو 100 ألف هاتف في تسعينيات القرن الـ20، ومن بين الأكشاك الصامدة 3 آلاف من النوع الأحمر التقليدي، وفقاً لشركة “بي تي” التي تولت تشغيلها تاريخياً.
وأمكن إنقاذ نحو 7200 كشك كانت خارج الخدمة، إذ تلقفتها جمعيات أو كنائس أو سلطات بلدية، وجعلت منها مكتبات صغيرة أو أكشاك معلومات للسياح أو سوى ذلك أو حتى أجهزة لتنظيم ضربات القلب.
ويمكن أيضاً استئجار بعض الكبائن المهجورة من جانب الشركات الصغيرة، كمتجر “ووكميسو” لحلوى التيراميسو في وسط لندن.
فعلى طرف راسل سكوير، يبيع دانييليه بينيديتيني الحلوى الإيطالية الشهيرة داخل كشكين هاتفيين أحمرين، وقال “أعتقد أنه من الرائع فعلاً أن أتمكن من مزج التقاليد الإنجليزية بتلك الإيطالية”.
وأوضح الشاب البالغ 29 سنة أن فتح متجر في كشك قديم مستأجر من مالك خاص، يكلفه أيضاً أقل من استئجار متجر تقليدي.
وبادر بينيديتيني إلى تجديد مقصورتي الهاتف وتجهيزهما بأرفف وثلاجة وآلة لصنع القهوة، مع الإبقاء على شكلهما الخارجي المميز.
في ورشته التي تعج بالتذكارات القديمة، ومنها مضخات البنزين الصدئة واللوحات المعدنية المطلية بالمينا، يضع كارل بيرج اللمسات النهائية على كشك هاتفي أحمر يعمل على ترميمه.
ينكب هذا الرجل البالغ 54 سنة منذ عقدين على تجديد شباب هذه الأكشاك “التاريخية” المتقادمة التي أصابها التلف من جراء المناخ الإنجليزي الرطب.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية “إذا أرسلت بطاقة بريدية إلى أي مكان في العالم تحتوي فقط على صورة صندوق هاتف أحمر، فإن 95 في المئة من الناس سيقولون لك إنها في إنجلترا”.
وأشار كارل بيرغ إلى أن ترميم الكشك الهاتفي يستلزم ستة أسابيع في المتوسط، ويبدأ بتفكيكه “بدقة”، مضيفاً “لا يمكن التكهن بما تحت الطلاء، قد يقع المرء على جوهرة فعلية، ولكنه أيضاً قد يجد ديناصوراً” أنهكه الزمن.
لقد عالج هذا البريطاني عدداً كبيراً من الأكشاك الحمراء في ورشته في كينغز لين شرق إنجلترا، غالباً ما تكون مكسورة، فقدت زجاج نوافذها أو تلفت أبوابها الخشبية، وما إن يصبح الإطار الحديدي مجرداً من كل مكوناته، يصقل بالرمل لإزالة الطلاء والصدأ وأية شوائب أخرى.
أما الخطوة التالية فتتمثل في وضع الراتنج والرمل لإزالة العيوب، وهي عملية شاقة تنفذ يدوياً ويمكن أن تستغرق أياماً عدة، ويجري أخيراً طلاء الكشك باللون الأحمر الشهير “بوست أوفيس رِد”، ويثبت الزجاج الرقائقي على النوافذ، ويوضع للباب إطار خشبي خارجي جديد.
ولم يتردد كارل بيرغ، الذي بدأ عمله في مجال السيارات، في تحويل شغفه بمقتنيات الجمع البريطانية عملاً ترميمياً يتفرغ له بدوام كامل، يعرف باسم (Remember When UK).
وكانت البداية عندما عثر على كشك هاتف في عقار معروض للبيع، فاشتراه ورممه ثم عرضه في حديقته، وما لبث أن باع الكشك المرمم، لكنه ندم على قراره إذ أدرك أنه “مشتاق” إلى كشكه.
وبعد أن أصبح كارل بيرج مرمماً محترفاً، بات الآن يعمل في الوقت نفسه على ترميم مقصورات هاتفية عدة، ومن بينها نسخة من طراز “كاي 2” الشهير، وهو النموذج الأول لكشك الهاتف الأحمر الذي طرح عام 1926 وصممه المهندس المعماري البريطاني جايلز غيلبرت سكوت، المعروف بتصميمه مباني عامة الأخرى في لندن.
وبعد مرور 20 عاماً لم يفقد كارل بيرغ شيئاً من شغفه، وقال “أنا أتقدم قليلاً في السن، ويبدو أن كل شيء أصبح أثقل قليلاً، لكنني أعتقد أن حماستي لا تزال إياها لا بل في الواقع، لربما زادت”.