حرية – (2/3/2024)
“انظر كم أنا عظيمة، يمكنك أن تكون كذلك أيضاً”، “اجذب السعادة”، “استخدم قانون الجذب لنفسك”، “فكر بشكل إيجابي”، ما سبق جمل من فيديو لشابة عربية مقيمة في فرنسا، تقدم نفسها على أنها مدربة متخصصة في التنمية الذاتية، لمساعدة متابعيها على إيجاد حلول لمشكلاتهم. وهي واحدة من بين عدد كبير من المدربين في العالم العربي الذين يروجون لقدرتهم على مساعدة الناس في تحقيق ذواتهم، متلاعبين بمشاعر متابعيهم… في السطور التالية نستعرض كيف يحتال المدربون المزيفون على ضحاياهم.
وهم تجارة الطاقة
بصوت مرتفع ولغة عاطفية يتحدث المدربون المزيفون على مواقع التواصل الاجتماعي ويعرضون على ضحاياهم خدماتهم الخاصة، أغلب مواضيعهم تدور حول حل الأزمات العائلية مثل الطلاق أو إنشاء مشروع خاص وتحقيق الربح. لا أحد يسأل: هل هؤلاء المدربون لديهم تكوين علمي أو متخصصون بالفعل في هذا المجال.
وكانت إحدى النساء العربيات المقيمات في الولايات المتحدة الأميركية، تدعي أنها تبيع الطاقة، وترسلها لمتابعيها بمقابل نحو 50 يورو و100 يورو، وتخبر متابعيها وأغلبهم من النساء على “إنستغرام” أن الطاقة التي ترسل لهم ستساعدهن على العلاج من الأزمات النفسية. وكشفت عدد من النساء أنهن تعرضن لاحتيال، وأن حياتهن لم تتغير، على رغم أنهن دفعن مبالغ مالية للعلاج.
هناك أيضاً عدد من المؤثرات في العالم العربي اللاتي تحولن إلى خبيرات في مجال الأسرة والزواج والحياة الجنسية، ويعرضن خدماتهن في تدريب النساء على تجاوز مشكلاتهن.
“كنت ضحيتها”
كانت من ضحاياهن ابتسام، مهندسة تعيش في فرنسا، وبسبب خلاف مع زوجها قررت أن تلجأ إلى مدربة في “إنستغرام”، لتساعدها على تجاوز مشكلاتها الزوجية.
تقول إبتسام، “كنت أتابعها على إنستغرام، وكانت تتحدث عن كيف يجب أن تكون المرأة في علاقتها الزوجية مع الرجل. لقد كانت تتحدث بثقة في النفس وأيضاً بقوة، وثقت فيها وراسلتها في الخاص، وعرضت عليّ حصصاً خاصة بمقابل مادي، كنت أتحدث معها عن علاقتي بزوجي وعائلته، وكانت تركز في تلك الجلسات الافتراضية على أن تجعلني معزولة عن عائلتي وزوجي وعائلته، وأن أتعامل معهم كأننا في حالة حرب، على رغم أن مشكلاتي كانت فقط مع زوجي، وللأسف وثقت في نصائحها”.
تتابع إبتسام التي كانت تدفع للمدربة المزيفة مقابل جلسات التدريب، “أغلب خطابها يدور على أهمية الأنانية والتفكير في الذات، والتعامل مع كل الناس دائماً بحذر. لقد دمرت علاقتي بزوجي وعائلته وأيضاً عائلتي، ودفعتني للتفكير في الطلاق”.
وتضيف المتحدثة ذاتها، “أدركت مع الوقت أنها تكرر الكلام نفسه، ولا تقدم أي شيء جديد، كما أن صحتي النفسية لم تتحسن. لقد شعرت بأنها تستغلني مادياً، وأنها ليست متخصصة، وأنا للأسف كنت ضحيتها”.
كل ساعة مدرب جديد
لا توجد إحصائيات بخصوص أعداد المدربين على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، لكن بحسب صحيفة “فيلت” الألمانية، فإنه “في عام 2019، عمل نحو 71 ألف شخص حول العالم كمدرب للتنمية الذاتية”، وهو رقم مرتفع بنسبة 33 في المئة مقارنة بعام 2015. وتقدر أرباحهم فقط في ألمانيا بنحو 520 مليون يورو. ومن المرجح الآن أن يكون العدد أعلى من ذلك بكثير، ففي كل ساعة هناك مدرب جديد يسجل نفسه على “إنستغرام”.
يلجأ المدربون المزيفون، بحسب صحيفة “فيلت” إلى التلاعب واستعمال لغة مؤثرة، وجمل مثل “فقط أشعر بما يحدث لك عندما تجني الملايين”، “أنت لا تحتاج إلى أي عمل شاق، فقط العقلية الصحيحة والتدريب الذاتي لتحقيق أحلامك”.
يروج المدربون المزيفون للنجاح باعتباره سهلاً ويمكن تحقيقه في مدة قصيرة، وفي السنوات الأخيرة، انتشرت فيديوهات لمدربين في العالم العربي يروجون لمعايير النجاح وكيف يمكن أن تنجح في حياتك.
التلاعب والنهج المزيف
كشف عالم النفس الألماني أوفه بيتر كانينج في كتابه عن التدريب وإدارة الموارد البشرية، كيف يمكن التعرف فعلياً على المحتالين والحماية منهم.
يقول أوفه بيتر كانينج إنه “في تسعينيات القرن الماضي لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال، لكن اليوم يمكن لأي شخص أن يزاول مهنة التدريب في مجال التنمية الذاتية، لأن المشكلة الأكبر أن (المدرب) ليس مسمى وظيفياً محمياً، وهذا يعني أنه يمكن لأي شخص أن يطلق على نفسه اسم مدرب”.
ويعتبر عالم النفس الألماني أن “تدريب البرمجة اللغوية العصبية، الذي يقدمه المدربون هو نهج علمي مزيف، وأن بعض المدربين يلجأون إلى الحيل والتلاعب”. ويضيف “يسوق بعض المدربين لقدرتهم على مساعدة زبائنهم، لكن ذلك لا يتحقق بالفعل، ويعد الوهم الجميل والتسويق الاحترافي من الأشياء المهمة التي يعتمدون عليها”.
مناهضة بيئة العمل السامة
وفي وقت يعتبر فيه أوفه بيتر كانينج أن بعض المدربين يسوقون لقدرتهم على مساعدة زبائنهم من خلال الوهم الجميل، تناهض أسمهان جمغامي، مدربة ومستشارة ومحاضرة في جامعة بوخوم في ألمانيا، التمييز وتحقيق التنوع في بيئات العمل، لكي لا يتخلى الموهوبون عن أحلامهم بسبب بيئة العمل السامة.
وتساعد جمغامي وهي من أصول عربية تعيش في ألمانيا، الشركات على إيجاد حلول ضد التمييز وخلق بيئة مناسبة لعمل أشخاص من مختلف الجنسيات، وهي تدعم منذ عام 2001 الأشخاص من الفئات المهمشة في العثور على عمل المناسب.
وعن كيف تحولت جمغامي إلى مدربة متخصصة في مناهضة التمييز في العمل، تقول “تعرضت للتمييز ببساطة بسبب اسمي لأن أقسام الموارد البشرية رجحت أنني لا أتحدث الألمانية بطلاقة ولم يكلفوا أنفسهم عناء النظر إلى مستنداتي من كثب، ولكن إذا كان الأمر صعباً بالنسبة لي، فكيف سيكون الأمر بالنسبة إلى الأشخاص الآخرين الذين يعانون ظروفاً أسوأ؟ أحزنتني هذه الفكرة وقلت لنفسي عليَّ أن أعمل عليها”.
وتضيف المدربة والمستشارة “أي شخص شغوف يتعرض للتمييز سيشعر حتماً بالإحباط وهذا سيؤثر في نشاطه وحماسه لأداء عمل ما، وسيخلق لديه شعوراً بالدونية وأن الحياة قصيرة وليس هناك حاجة إلى الحلم وهذا سيؤثر في مجتمعنا الذي يفقد المواهب”.
إضافة إلى عملها مع الأفراد، تعمل جمغامي مع شركات عدة ترغب في التنوع وتوظيف مزيد من الأشخاص من الفئات المهمشة، وتقدم استشارات لشركات في ألمانيا حول كيفية جذب مجموعات مختلفة للعمل وليس فقط الألمان لمواجهة نقص العمالة الماهرة والمتخصصة.