حرية – (3/4/2024)
يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، في 11 أبريل، رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في قمة ثلاثية تعقد لأول مرة، وتهدف إلى تعزيز التحالف العسكري ومواجهة نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وذكر البيت الأبيض في وقت سابق أن “القمة الأولى بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين لن تعزز العلاقات الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية الثلاثية فحسب، بل ستقوي أيضاً تعاونهم في “السلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي جميع أنحاء العالم”.
وعلى عكس المجموعة الرباعية المعروفة باسم “تحالف كواد” Quad التي تضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، وعكس الشراكة الأمنية AUKUS التي تضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، فإن “الثلاثي الجديد” ليس له اسم أو اختصار معلن.
وقال محللون، إن الدافع وراء انعقاد القمة هو القوة العسكرية المتنامية للصين، خاصة في بحر الصين الجنوبي، حيث أثارت نزاعاتها الإقليمية مع الفلبين مواجهات بحرية، فضلاً عن “المخاوف المشتركة بشأن التوترات في مضيق تايوان”.
ويأتي الاجتماع الثلاثي، وسط تكثيف استخدام الصين لخراطيم المياه في بحر الصين الجنوبي، في محاولة لمنع السفن الفلبينية من إعادة إمداد حطام السفينة التي تتمركز عليها مجموعة من مشاة البحرية الفلبينية. تُركت سفينة إنزال الدبابات سييرا مادري، التي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، عالقة عمداً منذ عام 1999 للحفاظ على مطالبات الفلبين بالسيادة على جزر سبراتلي.
والأسبوع الماضي، أمر الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، حكومته بتعزيز تنسيقها في مجال الأمن البحري لمواجهة “مجموعة من التحديات الخطيرة” التي تهدد السلامة الإقليمية والسلام، مع تصاعد النزاع مع الصين.
وتزعم الصين أحقّيتها في 90% من بحر الصين الجنوبي، بما يتداخل مع المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من فيتنام وماليزيا وبروناي وإندونيسيا والفلبين.
واستولت الصين على سكاربورو شول، وهي منطقة صيد غنية في عام 2012. ومنذ ذلك الحين نشرت بكين دوريات تقول مانيلا إنها تعرقل السفن الفلبينية، وتمنع صياديها من الوصول إلى البحيرة حيث تكثر الأسماك، وفق “رويترز”.
وتطالب بكين بالسيادة على كامل بحر الصين الجنوبي تقريبا، وهو ممر لأكثر من 3 تريليونات دولار من التجارة السنوية التي تنقلها السفن، وفق “رويترز”، فيما أكدت محكمة التحكيم الدائمة في عام 2016 أن ادعاءات الصين ليس لها أي أساس قانوني.
ووقعت أحدث أعمال العنف في مطلع الأسبوع الماضي، عندما استخدمت الصين خراطيم المياه لعرقلة مهمة إعادة إمداد فلبينية إلى جزر “سكند توماس شول” للجنود، الذين يحرسون سفينة حربية رست عمداً على الشعاب المرجانية قبل 25 عاماً.
وقدمت الفلبين 388 احتجاجاً دبلوماسياً بين عامي 2016 ويونيو 2022 بشأن التصرفات الصينية في بحر الصين الجنوبي. وفي ظل إدارة ماركوس، تم تقديم 147 احتجاجاً حتى 25 مارس، وفق مجلة Nikkei Asia.
وتشمل الشكاوى بناء الجزر، واصطدام السفن الصينية بقوارب الصيد الفلبينية، وعرقلة المناورات، وإطلاق خراطيم المياه التي أدت إلى إصابة أفراد الخدمة الفلبينية.
وفي زيارة ماركوس للصين في يناير 2023، اتفق البلدان على إنشاء آلية اتصال مباشر لقضايا بحر الصين الجنوبي. لكن التوترات لا تزال مشتعلة، إذ تلقي بكين اللوم على مانيلا.
توتر وتهديدات
وفي مقابلة مع مجلة Nikkei Asia اليابانية، ألمح سفير الفلبين لدى الولايات المتحدة خوسيه مانويل روموالديز إلى الإجراءات التي تدرسها البلاد لمواجهة الوضع. وقال: “أستطيع أن أقول لكم بكل وضوح أن هناك العديد من الخيارات المتاحة لنا – ولا نزال مستعدين لاستخدام أي منها في هذا الوقت”.
وقال روموالديز، إن وزارة الدفاع الوطني الفلبينية تواصل التنسيق “ليس فقط مع حلفائنا مثل الولايات المتحدة، بل مع حلفاء آخرين أيضاً”.
وأضاف السفير: “المهم هنا هو أننا نعمل مع الحكومة اليابانية لنرى كيف يمكننا العمل معاً”. وقال: “نعمل أيضاً مع باقي الأطراف المتداخلة مثل فيتنام وماليزيا وبروناي وإندونيسيا، لنكون قادرين على إيجاد سبل ووسائل تمكننا من إيجاد وضع عملي يمكننا من خلاله ردع أي توتر إضافي في منطقتنا”.
وتسعى الولايات المتحدة إلى الاستفادة من الزخم الذي بنته مع طوكيو ومانيلا في السنوات الأخيرة. وقال إريك سايرز، الزميل غير المقيم في معهد أميركان إنتربرايز: “من الواضح أن اليابان والولايات المتحدة أصبحتا أكثر توافقاً من أي وقت مضى ولهما مصلحة في العمل مع الفلبين”. وقال “مانيلا لديها رئيس جديد أكثر ميلاً للعمل مع الولايات المتحدة وبذل المزيد من الجهد للرد على الصين”.
وفي العام الماضي، وافقت الفلبين على منح الولايات المتحدة حق الوصول إلى أربعة مواقع جديدة يمكنها إرسال قوات إليها على أساس التناوب. يضاف هذا إلى القواعد الخمس الموجودة سابقاً.
كما خصصت الولايات المتحدة، أكثر من 109 ملايين دولار لتحسين البنية التحتية في المواقع الخمسة الحالية واثنين من المواقع الجديدة، حسبما صرح الأدميرال البحري جون أكويلينو، قائد القيادة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، للكونجرس في منتصف مارس.
ويشير المحللون، إلى أن منع الصين عبور الزوارق الفلبينية واستخدامها لخراطيم المياه يرقى إلى مستوى تكتيكات “المنطقة الرمادية”، التي تقع تحت عتبة تفعيل معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين لعام 1951.
وتنص المعاهدة على أن أي هجوم مسلح في منطقة المحيط الهادئ على أي من الطرفين من شأنه أن يؤدي إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة المخاطر المشتركة. وتشمل هذه الهجمات على أراضي الجزر الخاضعة لولاية الفلبين، وعلى قواتها المسلحة وسفنها العامة.
غضب بكين
وفيما يصف المراقبون، القمة الثلاثية، بأنها ستكون “فرصة للولايات المتحدة وحلفائها لإضفاء الطابع المؤسسي على ترتيباتهم الدفاعية الثلاثية، تراقب الصين الوضع عن كثب، خصوصاً أن هذه القمة تأتي بعد مرور عام على انعقاد قمة ثلاثية أخرى مماثلة ضمّت، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، اليابان وكوريا الجنوبية.
وقال تشو فنج، عميد كلية الدراسات الدولية بجامعة نانجينج الصينية، إن بكين قد تنظر إلى قمة 11 أبريل ليس فقط استمراراً وتمديداً للقمة التي عقدت في أغسطس الماضي، ولكنها أيضاً أحدث محاولة من جانب الولايات المتحدة لتشكيل شراكات دفاعية مع الصين.
وذكر في تصريحات لصحيفة South China Morning Post: “من وجهة نظر الصين، فإن اجتماع القادة في أبريل هو خطوة جيوسياسية أخرى من جانب واشنطن لتوسيع تدخلها الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي”، مضيفاً أن واشنطن حريصة على إقامة تحالفات إقليمية صغيرة لاحتواء الصين بشكل جماعي.
وقال تشو، إن الاجتماع المقبل، دليل على أنه حتى بعد القمة الأميركية الصينية التي طال انتظارها في نوفمبر في سان فرانسيسكو واستمرار الحوار رفيع المستوى منذ ذلك الحين، فإن الاحتواء الاستراتيجي الذي تمارسه واشنطن ضد بكين لا يزال “صلباً للغاية”.
وتساءل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان خلال مؤتمر صحافي، الخميس الماضي: “من الذي يثير المشاكل، ويقوم بالاستفزازات بشأن قضية بحر الصين الجنوبي؟ من الذي ينتهك التفاهمات المشتركة بين بلدينا ونكث بالتزاماته؟” في إشارة إلى الدور المتنامي لواشنطن في المحيط الهندي والهادي.
مناورات مشتركة
وفقاً لمسؤول أميركي ودبلوماسي أجنبي مطلع، فإن الولايات المتحدة واليابان والفلبين، ستطلق دوريات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي في وقت لاحق من العام الجاري، مضيفين أنها “خطوة كبيرة لمواجهة الصين في المنطقة، ومن المرجح أن تثير رد فعل قوياً من بكين”.
وقال المسؤول والدبلوماسي لمجلة “بوليتيكو”، إن المناورات البحرية هي جزء من حزمة من المبادرات التي سيكشف عنها الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الياباني والرئيس الفلبيني في الاجتماع المقبل.
وستمثل الدوريات البحرية المشتركة أقوى تأكيد على استراتيجية إدارة بايدن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تعتمد على حشد الحلفاء والشركاء لمواجهة النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري المتنامي للصين في المنطقة، وفق “بوليتيكو”.
وبينما قامت الولايات المتحدة والفلبين بدوريات مشتركة سابقاً، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تنضم فيها البحرية اليابانية إليهما. وتعكس مشاركة اليابان أيضاً تحركات حكومة كيشيدا لجعل طوكيو لاعباً أكبر في الأمن الإقليمي إلى جانب الولايات المتحدة، سيما مع إعلانها في عام 2022 عن مضاعفة ميزانية الدفاع للبلاد في غضون خمس سنوات.
شراكات تجارية
إلى جانب الوضع الأمني في منطقة البحر الصيني الجنوبي، سيشكل تعزيز العلاقات الاقتصادية موضوعاً رئيسيا للقمة الثلاثية. وفي مارس، قادت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو أول بعثة رئاسية للتجارة والاستثمار إلى الفلبين، إذ ضمت 22 شركة أميركية بارزة ومنظمة غير ربحية لاستكشاف الفرص.
وقال سفير الفلبين لدى الولايات المتحدة خوسيه مانويل روموالديز لصحيفة Nikkei Asia، إن بلاده تجري مناقشات مع واشنطن لتوقيع اتفاقية تجارة حرة قطاعية تجعل معدن النيكل مؤهلاً للحصول على دعم بموجب قانون خفض التضخم الأميركي لعام 2022.
وقال روموالديز: “تمتلك الفلبين رواسب معدنية غنية للغاية، وربما تكون واحدة من أفضل ثلاث مناطق في العالم في الوقت الحالي” بالنسبة للنيكل.
في المقابل، صرح كين موي، النائب الأول لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ في مارس أن الولايات المتحدة والفلبين ستشاركان في استضافة منتدى الأعمال الهندي-المحيط الهادئ في مانيلا في 21 مايو المقبل.
وكتب في بيان أن “المنتدى هو الحدث الرئيسي للدبلوماسية التجارية الأميركية في المنطقة”، مشيراً إلى حوالي 11 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة التي تم تسليط الضوء عليها وحوالي 100 مليون دولار في المبادرات الاقتصادية الأميركية الجديدة التي تم إطلاقها عندما شاركت الولايات المتحدة واليابان في رئاسة المنتدى في يناير 2023.