حرية ـ (5/9/2024)
ناجح إبراهيم
خواتيم الأمور لا تقل أهمية بل تزيد عن بداياتها، قد تخطئ فى بدايات حياتك، أو عملك، أو جراحاتك أو تشخيص حالاتك أو قصائدك، أو مقالاتك، لكن عليك أن تجتهد ما أمكنك لتكون الخواتيم أفضل وأحسن وأتقن وأقوى وأفيد وأنفع وأحكم، لأن هذه الخواتيم هى الذكرى التى ستُطبع فى الأذهان عنك وستبقى كسيرة حسنة فى مسيرتك، سينسى الناس بداياتك السيئة ويذكرون روائعك فى الختام.
قيل ليوسف، عليه السلام، فى السجن «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، وقيل له وهو على خزائن الأرض أيضاً «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، وكأن صفة الإحسان هى التى تلخص حياة هذا النبى، وأن معدنه النقى لا يغيره كرب السجن وعذابه ولا زينة المناصب وبهرجتها، فالنفوس الشريفة تظل على أصالتها فى الشدة والرخاء والعسر واليسر. لم يجد أصحاب الكهف مكاناً يحميهم من الظلم والعسف سوى هذا الكهف، كانوا خائفين، ولكنهم ناموا وقلوبهم مملوءة بحُسن الظن بربهم، فاستيقظوا وقد تغير العالم من حولهم إلى الأفضل والأحسن وزالت الغمة والكرب، فعلى كل منا أن يثق أن الله يختار لعبده الصالح أفضل مما يختاره لنفسه، «اللهم اختر لنا فإنا لا نحسن الاختيار».
الداعية هو الذى يعتبر الناس جميعاً، مسلمين وغير مسلمين، إخوة له، مستدعياً لذاكرته مسلك الأنبياء «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً»، «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً» فكل نبى يعتبر الناس إخوة له حتى قبل أن يسلموا ويؤمنوا، فهو منهم وهم منه، حتى وإن آذوه أو عاندوه.
الداعية يتعبد ربه بهداية الخلائق، ويوقن أن الله لن يسأله يوم القيامة كم كفّرت أو فسّقت أو بدّعت، ولكن الله سيحاسبه على ترغيبه للناس وحسن بلاغه وتلطفه معهم وتحبيب الخلق فى الحق سبحانه. والتكفيرى يتعبد ربه بتكفير الخلائق أو تفسيقهم أو تبديعهم ظلماً وعدواناً ولا يفهم أن مهمته لم ولن تكون «الحكم على الناس»، وأن الله لم يجعل أحداً رقيباً على الخلائق أو بواباً على أبواب الجنة والنار يدخل أو يخرج منهما ما يشاء، وأن الله لم يمنح أحداً صكوك الغفران.
الداعية يعلم أن التفكير أعظم فريضة إسلامية وردت فى عشرات الآيات «أَفَلَا تَعْقِلُونَ»، «أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»، «أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ». أما التكفيرى فينغلق عقله، ويصم أذنه وكأن التكفير هو فريضة العمر. فكلما زاد التفكير قل التكفير، وكلما قل التفكير زاد التكفير، إنها ثنائية عكسية.
الداعية يعلم أن الأصل فى الإسلام السلام، وأن الحرب هى استثناء لرد العدوان. التكفيرى يريد أن يريق دماء غيره ليرتفع على جماجمهم وآهاتهم ويتم أطفالهم، ويطلق دوماً خطاباً حربياً استعلائياً، ويفشل فى الحرب والسلام معاً.
الخلاف بين الداعية وبين الآخرين فى الفقه خلاف راجح ومرجوح. أما التكفيرى فخلافه كفر أو إيمان، حزب الله أو حزب الشيطان، ذكر الله ليس استحضاراً لغائب، وإنما هو حضورك أنت من غيبة وإفاقتك أنت من غفلة (الغزالى).
كلما ضاقت الرؤية اتسعت الحنجرة (الفاتح بأمر الله).
بالاقتناع يعطيك الإنسان روحه وماله، أما بالإكراه فلن يعطيك إلا كذباً ونفاقاً وغدراً بك إذا تمكن (د. جودت سعيد). إن الله لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم (مهاتير محمد). قال صلاح الدين الأيوبى محذراً ولده «احذر من الدماء فإن الدماء لا تنام».
الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل، كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن، فالحرية هى أساس الفضيلة (الغزالى). عندما يلبس الظلم رداء التقوى تتولد أكبر فاجعة (على شريعتى). الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يرتفع على ذاته أو يهوى دونها، على عكس الملائكة والحيوانات، فالملائكة لا تملك إلا أن تكون ملائكة، والحيوانات هى الأخرى لا تملك إلا أن تكون حيوانات، أما الإنسان فقادر أن يرتفع إلى النجوم أو أن يغوص فى الوحل (د. عبدالوهاب المسيرى).
من نصائح الشيخ الشعراوى لابنه «لقمة فى بطن جائع خير من بناء جامع».
تتلخص رسالة المسيح عليه السلام فى كلمة «الله.. محبة»، أما رسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، فتتلخص فى قوله «لن تؤمنوا حتى تحابوا».