حرية – (27/8/2022)
النص الكامل لكلمة رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي في اليوم الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة- المؤتمر الرابع عشر.
فخامة السيد رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح المحترم.
السيد رئيس مجلس النواب الأستاذ محمد الحلبوسي المحترم.
السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى الأستاذ فائق زيدان المحترم.
راعي المؤتمر سماحة السيد عمار الحكيم المحترم.
السيدات والسادة السلام عليكم.
إن الوقوفَ مجدداً لتكريمِ المرأةِ عموماً والمرأةِ العراقية المضحيةِ المخلصةِ الصبورةِ على وجه الخصوص هو مدعاةُ اعتزازٍ وافتخار.
إن الدور الذي أدته المرأةُ الأم والأخت والبنت في الواقع العراقي كان على الدوام دورَ صبرٍ وتحمّلٍ للضغوط والأزماتِ وكان دورَ إسهامٍ فاعل في بناء كيانِ المجتمع وتقديمِ كلِ التضحيات لتحصين الأسرة والوطن.
اليوم أود التحدث عن الوضعِ الراهن الذي يهم مستقبل جميع العراقيين، وعلى رأسهم أمهاتُنا وأخواتُنا وبناتنا وزوجاتنا واللواتي هنَ أكثرُ تضرراً من أي أزمة أو صراع حصل سابقاً على أرض الوطن.
كم من أرملةٍ ويتيمة وأختٍ فاقدة لإخوانها وأمٍ فاقدة لأبنائها لدينا اليوم في العراق؟، هذا السؤال كم من نساء فقدن من اجل الوطن، ِ هؤلاء ضحايا نتاجُ سياساتٍ خاطئةٍ اتخذتها بعض القيادات في الماضي، ونتيجةُ فقدانِ العقلانية والحكمة والصبر في القرارات، ونتيجةُ غيابِ صوت الحوار والنقاش السليم.
نقول إن الأزمات السياسية في العراق من غير المعقول أن تكون بلا حلول، وإن هناك دائماً طرقاً لنختارها، فإما طريقُ الأزمةِ والفوضى والصراع السياسي وتهديد السلم الاجتماعي، وإما طريقُ الاستقرارِ والأمن والبناء والازدهار.
هل أزماتُ العراق على كل المستويات ميؤوس منها؟! هذا ما يحاولُ البعضُ من اليائسين و مصدري الإحباط للمجتمع زراعته في عقول الناس وإجبارهم على تصديقه.
كانت لدينا أزماتٌ أمنية طاحنة في الماضي، وكنا ندفع يومياً شهداءَ في شوارع كل المدن، وكان داعش الإرهابي ينشر الرعب، وكان البعض يتحدث باليأس عن إمكانية تحقيق الأمن، ولكن -والحمد لله- بحضورِ فتوى مرجع السلام والمحبة الإمام السيد علي السيستاني أدام اللُه ظله، وبالتفافِ كلِ العراقيين والقوى السياسية الوطنية حول قواتنا المسلحة بكل صنوفها قاتلنا المعتدين على أرواح شعبنا، وانتصرنا عليهم، وطاردناهم، وطوال العامين الماضيين أَمِنَ العراقيون على مُدنهم وأرواحهم و أبنائهم من السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وسواها.
هل نحن بأزمة أمنية اليوم؟ لا… نحن في هذه اللحظة بأزمة سياسية، وصراع بين إخوة الوطن الواحد، وبين من كانوا يقاتلون الإرهاب في خندق واحد.. ولكن للأسف هذه الأزمة السياسية تهدد المنجز الأمني، وتهدد استقرار الناس، نعم.. الناس بدأت تشعر بالقلق والإحباط.
كان لدينا أزمة اقتصادية خانقة بسبب وباء كورونا، وانهيار أسعار النفط، والتضخم في اعتماد الدولة على واردات النفط، والبعض كان وما يزال يتحدث بيأس عن عدم إمكانية تحقيق أي تقدم اقتصادي أو عدم إمكانية تسديد رواتب الموظفين.. ونحمد الله إننا معاً كعراقيين تجاوزنا هذه الأزمة، ووفرنا الرواتب، وأطلقنا المشاريع الاقتصادية للإصلاح الاقتصادي، وحققنا نمواً اقتصادياً فريداً على مستوى المنطقة، وأصبحت كل دول العالم تتطلع للاستثمار في العراق.
ولكن .. هل تُحلُ الأزماتُ الاقتصادية الكبرى بالتمنيات؟ لا بل تُحلُ بالصبر والتخطيط والتقدم الهادئ، وأما الارتباكات والصراعات فهي تخلق معرقلات للتقدم الاقتصادي.
وأقول في هذا الصدد: إن العراق ما زال يمتلك فرصة كبيرة لتحقيق قفزات اقتصادية إذا ما تكاتفت الأطرافُ السياسيةُ فيه على رأيٍ ثابت كما فعلت في الحرب ضد داعش.
والتحدياتُ الاقتصادية الدولية التي قد ننظر إلى تأثيراتها ومخاطرها بعد سنواتٍ قليلة قد لا تقل عن التحديات التي واجهها شعبنا في السابق؛ ولهذا يجبُ أن نبدأَ اليوم العمل بالتضامن لتحصين البلد أمامها، وهذه مهمةٌ صعبة وسطَ الخلافات والتقاطعات السياسية ولكنها ليست مستحيلةً إذا ما توفرت الإراد للحوار لبناء عراق يليق بالعراقيين.
للأسف.. يحاول البعض شخصنة الأزمات.. وأنا قلت سابقاً وأقول اليوم أمامكم: أيتها الأخوات والإخوة.. العراقُ أكبرُ من أي شخص، وأمامَ مصلحةِ العراق وكرامة العراقيين وأمنهم واستقرارهم تهون المناصب والاعتبارات والمسميات.
اليوم هناك من يحاول أن يعيدَ لغةَ اليأس والإحباط بين العراقيين، ودورُنا ومسؤوليتُنا التأريخية أن نقول لشعبنا: إن أزماتِ العراق ليست بلا حلول، بالأمس كان الحلُ أن يتعاونَ الجميع مع الحكومة والقوى الأمنية والإجراءات الاقتصادية، واليوم الحل هو أن يتراجعَ الجميعُ من القوى المختلفة فيما بينها أمام مصلحة العراق، وأن يكون الجميع مستعداً لتقديم التنازلات؛ حتى لا نضيّع الوطن في صراعات وتحديات سياسية واللحظة التي لا سمح الله وإن حدث فيها الصدام، فإن إطلاقات الرصاص سوف لن تتوقف وتبقى لسنين، وأنا متأكد أن كل العراقيين حريصون على بلادهم، وأن كل القوى السياسية الوطنية بدون استثناء تعمل من أجل العراق وخدمته.
كيف نحوّل الاجتهاد أو الخلافات إلى فرصة نجاح. العراق أكبر من الجميع.. والعراقيون عبر كل مدن العراق وقراه يدركون جيداً أن ما نعيشه اليوم ليس صراعاً صفرياً بين الإخوة في الوطن، وإنما هو اختلاف واجتهاد يحتاج إلى الحوار ثم الحوار ثم الحوار من أجل حل هذه المشكلة.
العراقيون في كل مكان يدركون أن من يخوض الاختلاف السياسي من الطبيعي أن يحمل الآخرين المسؤولية ولا يحملها لنفسه.. ولهذا أقول إن الجميع يتحمل المسؤولية عن التوصل إلى الحلول الممكنة لهذه الأزمة، بعيداً عن لغة التخوين والتسقيط والاتهامات والتشكيك وتوتير الأجواء واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للاعتداء على كرامة الناس والشخصيات الوطنية.. وإن مفتاحَ الحل هو جلوسُ الجميعِ على طاولة الحوار الوطني والمصارحة والمكاشفة بأن أزمةَ الثقة الحالية تُحلُ باستعادة الثقة أولاً، ومن ثم الذهاب إلى الاتفاق على الإصلاحاتِ الضرورية التي يحتاجها شعبُنا في كل المستويات والصعد.
أن نرمم الثقة بين الإخوة الذين تصدعت الثقة بينهم ليس أمراً ميؤوساً منه أيضاً، بل هو ممكن ومتاح اليوم إذا ما تذكر الجميعُ الأواصرَ العميقة التي تُجمعنا جميعاً، والمسؤوليةَ الوطنية والتأريخية التي نتحملها جميعاً هي مفتاح الحل.
هذه الحكومة فعلت الكثيرَ لحل الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية، أو إيجادِ طريقٍ للحل، وقدمنا مؤخراً مبادرة الحوار الوطني التي رحبت بها كلُ القوى السياسية، ونحن نعتقد أنها الطريقُ السليمُ لحل هذه الازمة، الحوار هو الحل. وسنبذل كل الجهود لتفعيلها وتطويرها، فما يهمنا اليوم هو أن يستأنفَ العراقُ مسارَه الديمقراطي الطبيعي وأن يحفظَ دم العراقيين وأمنهم وسلمهم، وأن نقللَ تأثير الخلافات السياسية السلبي على حياة الأسرةِ العراقية، وأن نصونَ المسؤوليةَ الوطنية التي تكفلنا بها، ونسلمها إلى من يأتي بعدنا بشرف وأمانة.
مرةً أخرى أحيي المرأةَ العراقية التي علمتنا الحكمةَ، والصبر، والتحملَ، وعزةَ النفس.. ونحييها أمّاً وأختاً وزوجةً وهي توصينا:
((الوطن غالي وعزيز))
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء
27- آب- 2022