حرية – (6/10/2022)
كشفت صحيفة “اندبندنت” أن عدد النساء اللاتي وصفت لهن أدوية مهدئة مضادة للقلق، يحذر الخبراء من أن الإقلاع عنها أصعب من الإقلاع عن الهيروين، يفوق عدد الرجال بفارق مئات الآلاف.
وتظهر المعلومات الجديدة التي كشف عنها بموجب قوانين حرية المعلومات أن النساء في إنجلترا كن أكثر عرضة من الرجال بنسبة 59 في المئة لتلقي وصفة طبية تتضمن مادة البنزوديازيبين- المعروفة إجمالاً بأسمائها التجارية- فاليوم وكزاناكس وتيمازابان- بين شهري يناير (كانون الثاني) 2017 وديسمبر (كانون الأول) 2021.
وتبين المعلومات الحصرية أن البنزوديازيبين وصفت لـ1661178 رجلاً، فيما أعطيت 2641656 امرأة وصفات طبية للأدوية المهدئة خلال هذه الفترة.
توصف عقاقير البنزوديازيبين عادة لعلاج القلق والأرق، فيما تشمل أعراض الانسحاب من هذا الدواء الاكتئاب والقلق الحاد والأرق والكوابيس القوية والصداع والتقيؤ وارتعاش الجسم والتشنجات وفي أسوأ الحالات، نوبات صرع قد تؤدي إلى الوفاة.
تشير بلدان عديدة بوضوح إلى ضرورة عدم تناول عقاقير البنزوديازيبين لمدة أطول من أربعة أسابيع، فيما توصلت الأبحاث إلى أن البنزوديازيبين قد تسبب فقدان الذاكرة وألزهايمر.
في سبتمبر (أيلول) 2020، أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أنه يجب إلصاق “تحذيرها” على جميع عقاقير البنزوديازيبين لإعلام المرضى بأن أعراض التوقف عن تناول الأدوية قد تهدد حياتهم.
قال ستيفن باكلي، رئيس قسم المعلومات في المنظمة الخيرية البريطانية الرائدة المعنية بالأمراض النفسية، مايند، لـ”اندبندنت” إنه من الصعب “معرفة الأسباب المحددة وراء أرجحية وصف البنزوديازيبين للنساء أكثر من الرجال” لكنه أضاف أن قانون حرية المعلومات كشف عن “نتائج تؤيد معلومات أخرى تظهر أن التباين في وصف الأدوية بين الجنسين يحدث منذ فترة طويلة”.
وأضاف “نعلم تاريخياً أن النساء أكثر ميلاً من الرجال لطلب المساعدة بعد معاناتهن من مشكلات نفسية، وقد يفسر ذلك جزئياً وجود الفارق بينهما، لكن ربما ارتبطت بعض الأسباب الأخرى بعوامل العمر أو التشخيص، وهي عوامل لا تأخذها البيانات بعين الاعتبار”.
“كشفت دراسات سابقة في بعض مناطق العالم أن الذكور الذين يصفون الدواء يميلون إلى إعطاء وصفات البنزوديازيبين للمريضات أكثر من المرضى. ومن المهم دراسة الأسباب التي تؤدي إلى الاختلافات بين الجنسين في وصف الأدوية النفسية”.
وحذر السيد باكلي من أن مادة البنزوديازيبين قد تسبب “الإدمان فضلاً عن أعراض انسحاب قوية، لا سيما بالنسبة لمن يتناولونها لفترات طويلة”.
ونبه إلى ضرورة كون المرضى “على اطلاع تام في شأن الأعراض الجانبية المحتملة” لمواد البنزوديازيبين فيما دعا كل من “يتوقف عن تناول” الدواء أن “يقلع عنه تدريجياً، بمساعدة طبيب الصحة العامة”.
من جانبها، أشارت جوانا مونكريف، أستاذة علم النفس النقدي والاجتماعي في كلية لندن الجامعية إلى وجود أسباب اجتماعية متجذرة توضح سبب وصف البنزوديازيبين للنساء أكثر من الرجال.
وأضافت الأستاذة الجامعية المتخصصة في العلاج من الأدوية النفسية “النساء أكثر ميلاً لكبت مشاعرهن والشعور بالاكتئاب واستشارة الطبيب، بينما يميل الرجال إلى التعبير عن مشاعرهم وتنفيس غضبهم والصراخ بوجه الآخرين وشرب الكحول”.
“عادة، لدى النساء ثقة أقل بأنفسهن، إذ يتربين على الاعتقاد بأنهن أقل شأناً، وهو ما يجعلهن أكثر عرضة للشعور بالقلق والاكتئاب. وتتوقع الثقافة السائدة أن النساء يعانين من هذه الأمور، ويجب علاجهن بطريقة معينة”.
وقالت البروفيسورة مونكريف، وهي شخصية رائدة في شبكة علم النفس النقدي، إن عدداً لا يستهان به من مرضاها كتبت لهم وصفات طبية طويلة الأمد لعقاقير البنزوديازبين، تظل صالحة لمدة سنوات أو عقود حتى أحياناً.
وأضافت أن أطباء الصحة العامة “يستميتون” في محاولة دفع الناس إلى التوقف عن تناول البنزوديازبين، مشيرة إلى أن المدمنين على الهيروين أو الكحول يستطيعون الإقلاع عن هذه المواد بسرعة أكبر من الأشخاص الذين يعتمدون على تناول البنزوديازبين.
وشرحت البروفيسورة مونكريف أنها أسست منذ وقت قريب عيادة “رائدة” تساعد من يتعاطون مضادات الاكتئاب والأدوية المنومة من مادة البنزوديازبين- وهي أدوية معروفة باسم “البنزو”- منذ فترة طويلة على الإقلاع عنها.
وتابعت بقولها، “يجد الناس صعوبة كبيرة في التوقف عن تناول أدوية البنزوديازبين بسبب أعراض الانسحاب التي تخلفها. أحياناً، يشعرون بقلق شديد واكتئاب. وتنتابهم صدمات سريعة في الدماغ- تشبه شعور الصدمة الكهربائية”.
“يستخدمها بعض الأشخاص منذ حقبة لم يكن من المعروف فيها أنها سيئة بالدرجة التي نعرفها الآن”.
في حديثها مع صحيفة “اندبندنت”، قالت فيونا فينش القاطنة في آبردين، إن البنزوديازبين وصفت لها أول مرة في عام 1975، بعد معاناتها من تشنجات عضلية في ذراعيها ورجليها.
“فهي تستخدم كأدوية مرخية للعضلات”، بحسب ما أضافت السيدة البالغة من العمر 68 عاماً، وهي متقاعدة الآن لكنها كانت تعمل باحثة أكاديمية مع هيئة الخدمات الصحية الوطنية. “لم تتوفر أي معلومات في شأن المخاطر. وما إن بدأت بتناول البنزو، ساءت حالتي”.
وقالت السيدة فرنش إنها لم تربط “تدهورها السريع” بالبنزوديازبين- مضيفة أنها خسرت ربع وزنها، و”اختفى” ثدياها في غضون 10 أسابيع تقريباً.
وأضافت “لكن الأطباء لم يربطوا وضعي بالبنزو، وظنوا أن هذه هي حالتي النفسية. اعتبروا أنني أعاني من انهيار عصبي، لكن الدواء هو ما كان يسبب انهياراً في صحتي العاطفية والجسدية والنفسية”.
“لذلك أحلت إلى قسم العلاج النفسي، وبعدها، جرى التعامل معي على أنني شخص يعاني الاكتئاب أو إضراباً نفسياً. حاولت الانتحار عدة مرات. لم تراودني أي ميول انتحارية قبل أن أتناول البنزوديازبين”.
وشرحت السيدة فرنش أن أحد الأطباء وصف لها مجموعة مختلفة من مضادات الاكتئاب، مشيرة إلى أنها تناولت عقاقير البنزوديازبين فضلاً عن مجموعة متنوعة من مضادات الاكتئاب من عام 1975 وحتى 2012.
وأردفت بقولها “عندما تقاعدت، قصدت عيادة صحة عامة مختلفة وخضعت لمراجعة للأدوية التي أتناولها. وقال لي الطبيب إن أدوية البنزو ما عادت تعتبر علاجاً لحالتي. واقترح علي أن أتوقف عن تناولها ولكنه لم يعطني أي نصيحة حول طريقة توقيفها”.
قررت السيدة فرنش أن تخفف تناول الأدوية تدريجياً، لافتة إلى أنها أصيبت بمرض شديد بعد مرور ستة أشهر على توقفها عن تناول البنزوديازبين كلياً- وأضافت أنها لازمت سريرها إجمالاً لمدة سنتين تقريباً.
وقالت “كان السبب هو الصدمة التي تلقاها جسمي ودماغي. ظللت طريحة الفراش. لم يكن باستطاعتي تحمل الأضواء أو الأصوات. كنت غير قادرة على إشعال الضوء أو تشغيل التلفاز أو الراديو. أو التحدث عبر الهاتف. لم أكن أطيق سماع أصوات الآخرين”.
“أصبحت عاجزة عن الوقوف على قدمي لأكثر من خمس دقائق. وعاجزة عن الاستحمام، لأنني لم أتحمل شعور ملامسة المياه لبشرتي. كنت أعيش في ما يشبه حالة الغشاوة الكيماوية وأعجز عن تذكر ما يحدث معي بين الساعة والأخرى. تحول ليلي إلى نهار ونهاري إلى ليل. كانت حالتي شبيهة بالإصابة بالخرف تقريباً. كانت إصابة دماغية”.
طيلة نحو ثلاثة أعوام، لم تغادر المنزل سوى لزيارة الأطباء، كما تقول، مضيفة أن طبيباً متخصصاً بالجهاز العصبي في هيئة الخدمات الطبية الوطنية أخبرها بأن سبب مرضها هو الصدمة التي أصابتها جراء التوقف عن تناول البنزوديازبين.
وقالت السيدة فرنش، إن ظهور مخاطر البنزوديازبين في ثمانينيات القرن الماضي كان “مزعجاً للغاية”، مشيرة إلى أنها شاهدت فيلماً وثائقياً عن رجل قال إن التوقف عن تناول الأدوية كان أصعب عليه من المرحلة التي قضاها في القتال على الجبهة خلال الحرب العالمية الثانية.
ولفتت إلى أنها احتاجت إلى استخدام كرسي متحرك خلال فترة تعافيها، وإلى أنها أصبحت أحسن حالاً بكثير الآن، ولكنها لا تزال تشعر بالتعب بسرعة.
وختمت السيدة فرنش بقولها “لن أتناولها أبداً مرة ثانية. فأي دواء يسبب هذه الدرجة من المعاناة التي تفوق التحمل هو دواء سيئ”.
أصبحت البنزوديازبين بسرعة أكثر أنواع الأدوية شيوعاً في الوصفات الطبية بعد دخولها السوق في مطلع ستينيات القرن الماضي، وما زالت من أكثر الأدوية شيوعاً في الوصفات الطبية التي تكتب لعلاج القلق، لكن وصفات البنزوديازبين في إنجلترا تراجعت من 11.3 مليون في 2010 إلى 8.6 مليون في 2020 بعد ظهور مخاوف بشأنها.
وقال الدكتور جون ريد، البروفيسور في جامعة شرق لندن، إنها “فضيحة على مستوى الوطن” أن البنزوديازبين “لا تزال توصف بهذا المعدل المرتفع”.
وأضاف “تعطى وصفات بهذه الأدوية وغيرها من الأدوية النفسية للنساء، أكثر بكثير من الرجال، لأنهن معرضات بشكل أكبر لمسببات الضغط النفسي والقلق، مثل التعنيف والاعتداء ورعاية الأطفال والوالدين المسنين”.
“إن إضافة كل الآثار الجانبية لهذه الأدوية التي تسبب الإدمان، إلى المشكلات التي أتت النساء لحلها في الأساس، غالباً ما يزيد نوعية حياتهن سوءاً”.
تعكس تعليقاته المعلومات التي بينت أن النساء أكثر عرضة للتشخيص بالإصابة بالقلق والاكتئاب في المملكة المتحدة، فيما الرجال أكثر عرضة لقتل أنفسهم.
وأضاف الدكتور ريد “قد يتسبب استخدام أدوية البنزوديازبين لمدة طويلة إلى تدهور القدرات المعرفية، بما فيها القدرة على تشكيل ذكريات جديدة”.