حرية – (1/2/2024)
عند النظر في أعلام الدول الأفريقية فعادة ما تصادف التشابه الكبير فيما بينها، خاصة تلك التي تضم الألوان الأصفر والأحمر والأخضر، والتي يجد العديد منا صعوبة في معرفة إلى أي دولة تنتمي، إلا أن هذا التشابه ليس وليد الصدفة بل من ورائه قصة لدولة استطاعت حماية أراضيها من الاستعمار أواخر القرن 19.
سنجيب في فقرات هذا التقرير عن لماذا تتشابه الأعلام الأفريقية في ألوانها؟ وما قصتها؟ وما هي أول دولة ضمت هذه الألوان في علمها وكيف انتشرت إلى الدول الأخرى؟
الدول الأفريقية استخدمت نفس الألوان
في أفريقيا توجد 11 دولة تحمل اللون الأحمر والأصفر والأخضر في أعلامها وهي كل من:
لهذه الألوان العديد من المعاني التي تعود في الأصل إلى علم إثيوبيا، إذ استلهمت هذه الأخيرة الألوان الثلاثة في علمها من قوس قزح، الذي يُذكر في سفر التكوين في الكتاب المقدس، كجزء من القصة الخاصة بخلق الله للعالم.
إذ يعبّر اللون الأصفر في هذا السياق عن الأمل والعدالة والمساواة، في حين يُرمز اللون الأحمر إلى التضحية من أجل الحرية والمساواة. أما اللون الأخضر فيعكس الفهم للعمل والتنمية والخصوبة.
أما عن الدول الأفريقية الأخرى فقد تبنت هذه الألوان بعد استقلالها من الاستعمار الأوروبي تيمناً بإثيوبيا التي تعتبر أقدم دولة أفريقية مستقلة وعرفت بعدها هذه الألوان بألوان القومية الأفريقية.
لماذا تتشابه الأعلام الأفريقية في ألوانها وما علاقة إثيوبيا؟
استخدمت الألوان الثلاثة الموجودة في الأعلام لأول مرة في الإمبراطورية الإثيوبية، حين أصدر الإمبراطور منيلك الثاني أمراً بتبني علم مكون من اللونين الأحمر والأصفر والأخضر في عام 1878.
وفيما بعد تمت إضافة رمز الأسد في وسط العلم، والذي يرمز إلى الشخصية الإنجيلية الإمبراطور منيلك الأول، أول إمبراطور للحبشة وابن الملكة بلقيس وسيدنا سليمان.
حقق العلم شهرة ورمزية بارزة بعد انتصار إثيوبيا في معركة عدوة عام 1896 على الجيش الإيطالي، ما جعلها واحدة من الدول النادرة في أفريقيا التي تمكنت من الصمود ضد السيطرة الأوروبية خلال فترة الاستعمار.
واستند الإثيوبيون، بقيادة الإمبراطور منيلك الثاني، على أسلحة إنجليزية لمواجهة الإيطاليين، حيث حققوا فوزاً صادماً وحافظوا على استقلالية بلادهم لعقود طويلة بعد ذلك.
وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1897، بعد أن دافعت إثيوبيا بشجاعة عن استقلالها في معركة أدوا ضد استعمار إيطاليا، قرر الإمبراطور منيلك الثاني تأسيس علم يرمز لهوية الإمبراطورية. يتكون العلم من ثلاثة ألوان مستطيلة من الأعلى إلى الأسفل: أحمر وأصفر وأخضر.
تم وضع الحرف الأول من اسم الإمبراطور على الشريط المركزي للعلم في وقت لاحق، ليصبح رمزاً واضحاً للمقاومة الإثيوبية ضد الاستعمار الأوروبي، خاصة بعد هزيمة مملكة إيطاليا في 1896.
بعد هذا الانتصار البارز، أصبحت إثيوبيا رمزاً مهماً ومثالاً يحتذى به للدول الأفريقية التي قاومت الاستعمار.
الرمزية وتشابه الأعلام
شهد العلم الإثيوبي تغيرات عديدة على مر السنين مع تطور النظام الحكومي في إثيوبيا، ولكن بقيت الألوان الثلاثة ثابتة. في مارس/آذار 1957، أعلنت غانا استقلالها، وكانت أول دولة في جنوب الصحراء الكبرى تحقق هذا الإنجاز. أصبح كوامي نكروما رئيساً للبلاد، وكان داعماً لوحدة أفريقيا المستقلة.
كانت غانا، تحت قيادة نكروما، تؤمن بفكرة البان أفريقيسم، حركة عالمية تعزز التضامن بين مختلف الجماعات في القارة الأفريقية. انعكس هذا التفكير في اعتماد غانا لنظام ثلاثي الألوان في علمها، مستلهمة من علم إثيوبيا وتكريماً للدور البارز الذي لعبته إثيوبيا في مواجهة الاستعمار.
ترى، مفهوم البان أفريقيسم هو حركة عالمية تهدف إلى تشجيع وتعزيز روابط التضامن بين جميع الجماعات العرقية الأصلية والمهجرة في أفريقيا.
كان نكروما مستوحى بشكل قوي من مقاومة إثيوبيا ضد الاحتلال الأجنبي، وقرر أن يدمج نظام الألوان الثلاث في علم غانا كوسيلة لتكريم إثيوبيا لكونها الدولة الأفريقية الوحيدة إلى جانب ليبيريا، التي لم تكن مستعمرة أبداً.
استخدموا علم إثيوبيا الذي كان في هذا الوقت يحتوي على الشريط الأخضر في الأعلى بدلاً من الأحمر قلبوه ووضعوا نجماً أسود بخمس نقاط في وسط العلم.
دول أفريقية على نهج غانا
اعتمدت غينيا، بعد الاستقلال في عام 1958، نفس الفكرة ولكن هذه المرة ذهبوا إلى نظام ثلاثي الألوان عمودي بدلاً من ذلك، علم مالي هو علم غينيا ولكن مع اللون الأخضر في البداية واللون الأحمر في الشريط الأخير.
علم الكاميرون مشابه لعلم مالي، يحتوي على اللون الأحمر في الشريط الوسطي مع نجم أصفر وشريط أصفر في نهاية العلم. علم السنغال مشابه لعلم مالي ولكنه يحتوي على نجم أخضر في الوسط.
تشمل دول أفريقية أخرى استخدمت هذه الألوان في أعلامها توغو، جزر القمر، بوركينا فاسو، سيشيل، غينيا بيساو، ساو تومي وبرينسيبي، الكونغو، موزمبيق، زيمبابوي، موريتانيا، بنين، والعديد من الدول الأخرى.
ستعرف هذه الألوان الثلاثة الحمراء والخضراء والصفراء بالإضافة إلى اللون الأسود لاحقاً باسم ألوان القومية الأفريقية.
على الرغم من أن معاني الألوان الفردية المستخدمة في أعلام الدول قد تختلف من بلد إلى بلد، إلا أن الدول التي تستخدم ألوان القومية الأفريقية لها معانٍ مشابهة، حيث يُظهر اللون الأخضر فرادة الطبيعة الفريدة للقارة وجودة الأرض للزراعة، ويُمثل اللون الأحمر الدم والتراث المشترك للأفارقة خلال حقبة مكافحتهم ضد الاستعمار، ويُعبر اللون الأصفر عن ثروات أفريقيا، وأخيراً، يرمز اللون الأسود إلى لون الشعب.
ومع ذلك، هناك تغيير آخر لنظام الألوان القومية الأفريقية، قام به ماركوس موسيا غارفي -مؤسس الجمعية العالمية لتحسين النيجرو (UNIA) والمولود في جامايكا- يستخدم فقط الألوان الحمراء والخضراء والسوداء.
إذ استلهمت دول مثل ملاوي وكينيا والبيافرا السابقة من هذا التركيب اللوني. ومع ذلك، تشترك ألوان هذه الأعلام في معانٍ مشابهة تماماً مع تلك التي استلهمت من إثيوبيا.