حرية – (18\4\2021)
مع تقدم المفاوضات لإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي، سواء أكانت خلال المحادثات الرسمية في فيينا، أم عبر الاتصالات غير العلنية “في أماكن أخرى” من العالم، يبدو أن إدارة بايدن، ولا سيما فريق الملف الإيراني فيها، تتقدم كالمحدلة باتجاه “العودة” إلى اتفاقية الـ”JCPOA” لعام 2015، بطريقة أو بأخرى، بعد أسابيع أو أشهر، لا فرق، حيث إن كل التفسيرات والاجتهادات لمحللي “سياسة بايدن الخارجية”، التي ادعت أن هذه الإدارة “ستنهج سياسة مختلفة عن أوباما”، قد انهارت، إذ إن البيت الأبيض الحالي يسعى إلى أهداف البيت الأبيض الذي وقع على الاتفاق، وهو ملزم بالعودة إليه، وتنفيذه، هذا الموضوع كان واضحاً، ولا يزال واضحاً.
ثلاثة سيناريوهات
ولكن السؤال الآن هو التالي: إذا اعتبرنا أن إدارة بايدن ذاهبة إلى الاتفاق، وأن لا سياسة أخرى يمكن الآن أن تكون بديلة بسبب ضغوط اللوبيات المالية والاقتصادية التي تدفع الإدارة لفتح أبواب الأسواق الإيرانية والأسواق المرتبطة بها، ولا سيما أن السوق الصينية باتت على أبواب إيران من شرقها، هل هناك ما قد يتسبب بعرقلة العودة إلى الاتفاق، أو زلزلته إذا أقلع من جديد؟ يبدو أن هناك ثلاثة سيناريوهات ممكن أن تفاجئ آلية العودة، أو أن تؤثر على إقلاعها من جديد؛ سيناريو أميركي، وسيناريو إيراني، وسيناريو إقليمي، فلنركز على احتمال السيناريو الممكن في المنطقة، وهو احتمال، ولو متردد، لحرب أوسع بين إيران وإسرائيل.
إيران وإسرائيل
دولتا إيران وإسرائيل كانتا في حال حرب غير مباشرة منذ 1980 بعد سيطرة الخمينيين على السلطة في طهران، وبينما كانت الصراعات العربية – الإسرائيلية، لعقود، حول أراضٍ محتلة وإقامة كيان فلسطيني، فإن الأيديولوجيا الخمينية تشن حرباً مناقضة للسلام، تجرف كل الكيانات، عربية كانت أم إسرائيلية، إلى البحر أو المحيط، وهدف الملالي هو إزالة إسرائيل، وإزالة أي سلطة فلسطينية غير “إسلاموية”، وكل أنظمة الحكم العربية، والأقليات، وإقامة الإمامة الخمينية في النهاية، فلا مؤتمر سلام، ولا معاهدات إبراهامية، ولا مفاوضات للحلول العملية العادلة، إذاً، الحرب الإيرانية – الإسرائيلية قائمة إلى ما لا نهاية، بغض النظر عن التسويات، لا سيما تلك التي أنجزتها إدارة أوباما، وألغتها إدارة ترمب، وتحاول إدارة بايدن العودة إليها، بكلام ملخص، حرب إيران وإسرائيل مستمرة، بغض النظر عن سعي واشنطن لسلام مع طهران، وهذا يعني أنها مستمرة خلال عام 2021، وتحت إدارة بايدن.
واشنطن والحرب تحت إدارة بايدن
تحت إدارة أوباما، استمرت المجابهة الإيرانية، ولكن في ظل ظروف ضاغطة، فمن جهة، قدمت الإدارة محفزات هائلة لطهران كمليار ونصف مليار دولار “كاش” (أوراق نقدية) في 2015، كعربون ثقة للاتفاق المالي الهائل، الذي وقع تلك السنة، وبدأت المليارات تتدفق على نظام الخامنئي والحرس الثوري لسنوات حتى 2018، عندما انسحب ترمب من الاتفاق، وما دامت السيولة تتدفق باتجاه طهران، تحت أوباما وترمب، امتنعت “الجمهورية الإسلامية” من محاربة “الكيان الصهيوني” بشكل مكثف سنوات عدة، بل ركزت على مجابهة “العدو الخليجي” والمجتمعات المدنية في “المستعمرات العربية” لإيران في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وفي مقابل “شراء” هدوء النظام الإيراني تجاه تسخين الجبهات مع إسرائيل، ضغطت إدارة أوباما على حكومة نتنياهو لكي تمتنع عن “خربطة” المحادثات النووية بعمليات عسكرية ضد إيران.
وتحت إدارة ترمب استمرت طهران في مهادنة إسرائيل ما دامت كانت تحصل على المنافع المالية من الاتفاق، حتى الانسحاب الأميركي في 2018، عندها بدأت العمليات الميليشياوية ضد القوات الأميركية في العراق، والتصعيد الإيراني ضد التحالف العربي والمملكة العربية السعودية، وإعادة تحريك المنظومة الإيرانية، وإرسال صواريخ إلى اليمن ومنطقة الشام، فبدأت إسرائيل بالرد بعمليات قصف في سوريا وأطراف العراق، و”ضربات جراحية” محدودة ضد أهداف استراتيجية داخل إيران.
أما تحت إدارة بايدن فتغيرت الديناميكية، إذ إن المعادلة الأميركية تجاه إيران في أيام أوباما عادت إلى الطاولة، والمفاوضون يطلبون من طهران أن تتوقف عن تحركاتها السلبية للحصول على “مغانم الاتفاق” من جديد، ويطلبون من إسرائيل أن “تضبط الأعصاب” مقابل التسليح والتجهيز، إلا أن القيادة الإيرانية تريد الحصول على مداخيل الاتفاق، ولكن تريد فرض نفسها كلاعب كبير في المنطقة، بالتالي أن لا تتخلى عن قدراتها الصاروخية، وحتى النووية.
أما إسرائيل فهي ممتعضة من خيار بايدن للعودة إلى الاتفاق، وتخشى استئساد الملالي، وحشده طاقات أكبر حولها وفي المنطقة، من هنا، فالتصعيد بين “الجمهورية الاسلامية” و”الدولة العبرية”، مرشح للإفلات من محاولات الضبط الأميركية، ما لم تحسم واشنطن أمرها.
حرب البحار
بالإضافة إلى الغارات الإسرائيلية في سوريا والعراق، والأحداث داخل الأراضي الإيرانية، فإن جبهة جديدة قد فتحت وهي على سطح البحار، وقد عرف عن بضع “عمليات”، بعضها في شرق المتوسط، عبر “أحداث” إيرانية وإسرائيلية متبادلة في المساحة المائية بين قبرص والسواحل السورية واللبنانية والإسرائيلية، إلا أن أهم هجومين في الأسابيع الماضية قد يتسببا بتصعيد واسع بين الطرفين، فقد قامت إيران بتفجير سفينة تجارية تابعة لإسرائيل متوجهة في المحيط الهندي بين الساحل الأفريقي والهند، وهي منطقة بحرية دولية بإمكان الوحدات البحرية الإيرانية أن تصل إليها مباشرة من السواحل الإيرانية، وشكل هذا الهجوم الذي فاجأ الجميع رسالة من طهران أن أيديها قادرة أن تطاول في عمق المياه الدولية ضد السفن الإسرائيلية، ما وضع الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي فوراً في حالة خطر، إذ إن ذلك يعني أن الحرس الثوري بإمكانه أن يضرب السفن الإسرائيلية من جنوب البحر الأحمر حتى السواحل الأفريقية، فالهند، إلى سواحل أستراليا الغربية، مع خطوط مفتوحة إلى القواعد الساحلية الإيرانية.
وذلك يهدد منفذ إسرائيل من إيلات إلى المحيط الهندي، وإلى الاقتصاد العالمي، وإذا تحركت أذرع إيران في المتوسط، عبر “حزب الله” وغيره، فإن ذلك قد يهدد الملاحة الإسرائيلية التجارية حول قبرص ويضع ضغطاً كبيراً على اقتصاد الدولة اليهودية. وربما أن هذه المعادلة قد دفعت بإسرائيل لترد عبر عملية خاصة فجرت سفينة تجسس إيرانية متمركزة في أقصى جنوب البحر الأحمر، وقد فتحت العمليتان حرباً بحرية بين القوتين الشرق أوسطيتين، فلا إيران ستقبل باستمرار عمليات إسرائيل الوقائية ضد السلاح النووي الإيراني، والصواريخ الباليستية، ولا إسرائيل ستقبل بحصار بحري إيراني لها. الدولتان قد دخلتا في مواجهة شبه حربية، فما ستكون ردة الفعل الأميركية لإيقاف التصعيد؟
إدارة بايدن ضد الحرب البحرية
من المنطقي أن إدارة الرئيس بايدن لا تريد للحرب البحرية الإيرانية – الإسرائيلية أن تتطور وتتوسع وتتحول إلى مجابهة كبيرة في المنطقة تقود إلى التهاب جبهات مختلفة، تضرب الاستقرار في المنطقة، وتخلخل فرص العودة إلى الاتفاق النووي، لذلك، فإن واشنطن تتحرك بسرعة على محورين؛ الأول هو إقناع إيران عبر أطراف ثالثة أو حتى مباشرة، أن تعدل عن التصعيد ضد إسرائيل، مقابل الإسراع بالمفاوضات، والمحور الثاني هو تطمين إسرائيل بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها، وستدافع عن أراضيها إذا هاجمتها إيران، وهذا ما تعمل عليه الإدارة حالياً ولها ثقلها الكبير في هذا المضمار، والإدارة تعرف تماماً أن حرباً إيرانية إسرائيلية واسعة ستعرض استقرار المنطقة للزعزعة، بالإضافة إلى ضرب جهود العودة السريعة للاتفاق، إذ من الواضح أنه في حال انفجرت حرب عسكرية بين تل أبيب وطهران، فإن هناك أكثرية من الأميركيين ستقف مع إسرائيل، وسيؤدي ذلك إلى انتكاسة في السياسة الداخلية في مواجهة المعارضة بقيادة ترمب، لذا، فإن البيت الأبيض سيضع كل جهده ليوقف صداماً كهذا يطيح الاستقرار في المنطقة ويفجر أزمة لا مثيل لها في الداخل الأميركي.
الخلاصة
للولايات المتحدة أكبر ثقل في العالم لوقف حرب بحرية من هذا النوع، ولكنّ هناك ثمناً، أولاً أن تُرضي إسرائيل بأن إيران لن تهاجمها، ولكن طهران لن تقبل بأقل من المحافظة على مواقعها في المنطقة، بما فيها الصواريخ الباليستية والميليشيات، وهذا أمر لن تقبل به إسرائيل، وكثير من الدول العربية. فما هي خيارات بايدن؟ فالثمن الذي لا تريد إدارته أن تدفعه، هو العودة إلى سياسة ترمب، أي التخلي عن الاتفاق، أي التخلي عن الفوارق بين أجندتي بايدن أوباما، وترمب، وكل كأس في هذه المعادلة، مُرّة.