حرية – (27/5/2021)
ماذا لو استخدم الكاظمي السلاح ضد المتمردين في الخضراء أمس، وهل يتحمل العراق صِدام قواته المسلحة مع بعضها البعض ؟
لو قرأنا بعين المحايد والُمتأمل، ما حدث مساء أمسِ الأربعاء، من توتر وتصعيد في بغداد، على خلفية تنفيذ أمر قبض قضائي اعتيادي صادر عن قاضِ مختص، ومحكمة مختصة مخولة بأسم الشعب والدستور، سنجد أننا نعيش في حالة من اللا يقين في كون ما صدر من رد فعل ( لا منضبط ) يمثل مؤسسة من مؤسسات الدولة، أو يُمكن أن يصنف في إطار المسؤولية القانونية والأخلاقية والشرعية حتى لمن قاموا به، ولا يمكننا بأي حال تبويبه أو فهمه بأنهُ في أطار الاحتجاج الذي قد يصدر كردة فعل، وقد يكون مقبولًاً وواضحاً وفي سياقه الطبيعي لو كان رد فعل شعبي، مدني، يأتي ضمن اطار حرية التعبير عن الرأي المكفولة قانوناً، وأن كنا بطبيعة الحال ضد أي تعليق على اجراءات القضاء، أو قراراته، فهذه بالنهاية لا تمثل أراء شخصية لقضاة او مدعين، قدر ما تمثل جوهر العدالة المؤسسة ضمن دستور يساوي بين الجميع، ويخضعهم لنفس القيم القانونية في المساءلة.
بمعنى أدق، لو أردنا أن نفترض سيناريوهات متعددة، ومع أننا في إطار الأشادة بشكل حقيقي، بما تمتعت به القيادة العامة للقوات المسلحة، وخصوصاً قائدها من حكمة ومسؤولية اخلاقية ووطنية، وكيف نجح الرجل في تجاوز المُشكل، الذي يكاد يصل الى محاولة تنفيذ ” تمرد عسكري مسلح ضد الدولة”، وهذا ليس مرفوضاً من القوى المؤمنة بالدولة، وفي مقدمتها مؤسسة الحشد الشعبي فحسب، إنما هو يمثل جريمة عسكرية يعاقب عليها القانون العسكري أولاً، وتعاقب عليها قوانين سلامة وأمن الدولة العراقية أيضاً!
فالحشد الشعبي، الذي هو مؤسسة عسكرية حكومية محترمة، لا يمكن أن يُقرأ كحالة مجاورة للدولة، أو موازية لها، لذلك نرى قادة الحشد يرفضون قبل غيرهم، أن يصنفوا بأنهم قوى خارج الدولة، وخارج أرادتها الشرعية والقانونية، وللعلم، فنحنُ كمواطنين نرفض أي حالة لوجود كيان مسلح أو شبه مسلح خارج أطار الدولة، وفوق ارادتها، مهما تذرع وأدعى هذا الكيان!.
ولكن لنفترض أن رئيس الوزراء، غير مصطفى الكاظمي، الرجل العقلاني، والمتوازن، والمدني، الذي يكره لغة الدم، ويعرف مدى خطورة جر البلاد الى حرب داخلية، وأي لعنة ستتركها هذه الحرب اللعينة، ومن أي جيب سيدفع المتصارعون فواتير الدم الساخن، ولنفترض أن الدولة لجأت الى استخدام قوتها – وهي قوة عظيمة دون شك- في الرد على مثل الاستفزاز اللا مدروس الذي حصل أمس، وأنتهى الأمر الى التصادم العنيف والقتال مع هذه الجماعة، فهل يمكن تبرير هذا التصادم، واعتبار حمام الدم الذي سيقام في الخضراء ليلة أمس لاسمح الله، (شيئاً طبيعياً) وأمراً عادياً، حتى لو كان الدم الجاري من اجساد أخوة في الوطن والدين والتاريخ والرابط المهني والعسكري، ثم لماذا، ولاجل ماذا ؟.
ألأجل الدفاع عن شخوص هم في الحقيقة جزء من مؤسسة عسكرية، لها قانونها، واعرافها، وهي ايضاً جزء من مؤسسات انفاذ القانون والعدالة،فكيف تتمرد حين تمضي الدولة بإنفاذه وفق آليات قانونية قضائية واضحة!.
يقيناً، أن مؤسسة الحشد الشعبي ليست مع هذا المسار، وليست جزءاً منخرطاً في اتجاه توفير حصانات من المساءلة القانونية لأي منتسب لها، بدءاً من قياداتها الى اخر مقاتل فيها، فهي مؤسسة تعمل وفق السياقات القانونية، وتخضع بشكل واضح لأوامر وقرارات قائدها، وهو طبعاً القائد العام للقوات المسلحة.
إن ما حدث أمس أمر مؤسف ومرفوض شعبياً، ولعل من يتابع ردود الأفعال التي صدرت عن كل أطياف الشعب العراقي، والتي كانت مجمعة على رفض المساس بهيبة الدولة، ورفض” تحصين ” أي جهة، او منع مساءلة أي شخصية، فنحن دفعنا ثمناً باهظاً جداً للتخلص من نظام يصنف مواطنيه الى فئات، ويضع افراداً فوق المساءلة، فكيف نعود الى مثل هذا المسار الخاطئ.
ولنكن تفصيليين أكثر في مناقشة الملف، فاعتقال قاسم مصلح، لم يكن أجراءً تعسفياً أو استهدافاً شخصياً، فالحشد مؤسسة كبيرة، وقد تتجاوز الويتها الخمسين لواءاً، منها القتالي، ومنها غير ذلك، وفيها من القيادات المختلفة، المئات ان لم تكن أكثر من هذا العدد، فهل من المعقول ان تستهدف الدولة هذا الشخص دون سواه، مالم تكن هناك معطيات على الأرض، وشكاوى بحقه استدعت اصدار مذكرة قبض واجبة التنفيذ من جهة قضائية، ولعل ظهور والدة الناشط الذي اغتيل في كربلاء، ايهاب الوزني على قناة فضائية، وتسميتها بشكل صريح لقاسم مصلح – وبالإسم – بأنه متورط بتهديد ولدها، يمكن ان يشكل باعث اتهام بحقه، ويحق بعد ذلك للقضاء ان يتخذ الاجراءات لاستجلاء الحقيقة، وبيان صحة الادعاء من عدمه ولذا كان على (مصلح) او غيره الذهاب للقضاء وتسليم نفسه، والدفع ببرائته من التهم الموجهة ضده بدلاً من الدفع بعناصر موالية له، أو تعمل بأمرته، لمحاولة التمرد بهذا الشكل المدان، والذي شكل صدمة للشارع ولكل المؤسسات القضائية والقانونية.
اضافةً لما تقدم، لابد من الاشارة الى أن الكاظمي بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، قد قطع عهداً على نفسه وامام الشعب للمضي الى نهاية المشوار في كشف قتلة الناشطين دون أن يترك واحداً منهم، مهما كان موقعه وحجمه ونفوذه، وملاحقة الجهات التي تنفذ هذه العمليات الدموية التي تهز المجتمع، وتروع الناس الآمنين، ولعله أوفى بجزء كبير من وعده، حين كشف خلية الموت في البصرة، والتي تورطت بقتل الاعلامي المغدور احمد عبد الصمد. وزميله، والشهيدة ريهام يعقوب وغيرها من ناشطي البصرة، لذا فأن الرجل قالها بصراحة، وبشكل قاطع مع أن التزامه بذلك التعهد، وملاحقته للقتلة يعرضان حياته للخطر، وربما يشكلان تهديداً لكيانه او مستقبله السياسي او الشخصي، ورغم ذلك فالرجل كما ببدو ماضِ في هذا المسار الى النهاية، ولن يسمح بأن تسوى الملفات، و” تطمطم” القضايا كما كان يحدث في حكومة عبد المهدي المستقيلة أو في غيرها، فلا حصانة لأحد سواء أكان سياسياً كبيرًاً أو مسؤولاً تنفيذياً هاماً، او ضابطاً رفيعاً، أو عاملًا بسيطاً في أي مؤسسة اخرى، فالكل سواسية امام القانون، ولا يمكن أن يتم التغاضي أو التساهل بملف يتعلق دماء الناس وحرماتهم وحقوقهم.
ختاماً نقول بلغة المراقب والمتابع والناصح، أن محاولة التجرؤ على الدولة ومس هيبتها، محاولة خاطئة. وخطأ فظيع، لانتوقعه من قوى ينعتها الشارع العراقي بالمقدسة، ولاسيما مؤسسة الحشد الشعبي، وحسناً فعل بعض النواب والساسة والقادة في الحشد من الذين ادلوا بتصريحات مسؤولة في هذا الملف، كما فعل النائب أحمد الأسدي، حين قال ان الملف يحسم داخل المؤسسات العسكرية، ويخضع للضوابط المعمول بها في مثل هذه الملفات، لا كما فعل النائب مختار الموسوي، وهو يحسب نفسه على الحشد، حين أطل عبر فضائية ما، ليقول دون احترام لعقول الناس، ان قاسم مصلح حر الان، وقد اطلق
سراحه قبل ساعات، وهو الان في بيته- وسيعود لمزاولة عمله!
لقد أطلق هذا النائب تصريحه الكاذب، وهو يعلم جيداً أن صاحبه (مصلح) معتقل، ولم يزل رهن الاعتقال حتى هذه اللحظة، بل سيطول اعتقاله مادام ثمة أدلة ثبوتية متوفرة ضده !
إن تصريح النائب مختار الموسوي -المحسوب على الحشد- هو تصريح ساذج، غير مسؤول وغير واعي ايضاً، وهو محاولة لجر الدولة الى منطق الرد والتكذيب، والدخول في مثل هذه السجالات والمهاترات.
فيما المعلومات الحقيقية التي ترد، والتي ستؤكدها الأيام، تقول بضرس قاطع أن “الرجل لا يزال رهن الاعتقال، وأن لجانا تحقيقية قضائية تتولى الاشراف على القضية وكشف تفاصيلها، وسيعرض على القاضي المتخصص بالنظر في مثل هذه القضايا، ليقول كلمة القانون الفصل، فلا تنفيذ الاعتقال امر عشوائي وتعسفي كما اراد ان يصوره البعض، ولا (اطلاق السراح) حاصل، كما يقول الموسوي ومن معه”.
وحسماً للأمر نقول، أن الكاظمي مصر للذهاب بالمعركة القانونية لشوطها الأخير، وسيكمل فيها ما بدأه من جهد، ولن يتراجع مهما كلفه هذا، ولكن بدون أن يريق من دماء العراقيين مقدار محجمة دم واحدة – ان شاء الله – .