حرية – 24/7/2021
قبل أربع سنوات، كانت سارة كريم، العراقية التي تبلغ من العمر الآن 24 عاما، تتابع إحدى الصفحات العربية التي تدعو لاعتماد نظام غذائي نباتي، لأسباب صحية وأخرى ترتبط بحماية البيئة، كما تقول.
“لم أكن أتصور أنني سأقتنع بالكلام إلى درجة القرار بأن أكون نباتية”، تقول سارة، مضيفة “أنا الآن نباتية منذ أربعة أعوام”.
بالنسبة لسارة، قرار التحول للحمية النباتية هو “قرار شخصي”، لكن الثبات عليه في بلد مثل العراق ليس سهلا أبدا، خاصة وأن ثقافة التحول للحمية النباتية بشكل كامل ليست شائعة بشكل كبير هناك.
ولا يمتلك العراق مطاعم نباتية بشكل كامل، وفي الغالب، يضطر النباتيون إلى إعداد طعامهم بأنفسهم، لكنهم، كما يبدو، يبدعون في تكوين وصفات جديدة، ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول سارة إن “النباتية بدأت تنتشر في منذ مدة في العراق، لكن خلال العامين الأخيرين بدأ الاتجاه نحو الطعام النباتي يأخذ منحى تصاعديا”، مضيفة أن “هناك بعض النشاطات والتجمعات للنباتيين على أرض الواقع، لكنها لا تزال متواضعة”.
وفي الإنترنت “بدأت الصفحات المعنية بالغذاء النباتي تزداد،” وفقا لسارة، “لاحظت وجود إقبال من الجنسين على الالتزام بالطعام النباتي”.
تدرس سارة العلوم السياسية، وهي طالبة في المرحلة الثالثة، لكن النباتيين الوحيدين الذين تعرفهم معرفة شخصية هما أختاها، شهد وهدى، وصديقهن منار.
مع هذا، فإن سارة تعرف نباتيين آخرين عن طريق الصفحات التي تقوم بتوصيل الطعام النباتي إلى المنازل، وقد بدأ كثيرون “الآن في التخطيط لافتتاح مطاعم نباتية بالكامل”.
تقول سارة إن هناك أسبابا صحية كثيرة تجعلها تفضل الطعام النباتي، لكن “الأسباب المرتبطة بالبيئة” كانت المحرك الحقيقي وراء قرارها.
“تجارة اللحوم ترهق البيئة، وترهق الحيوانات، وهي تجارة ضارة” بالبيئة، تقول سارة، مضيفة: “تتسبب تجارة اللحوم بإطلاق كميات كبيرة جدا من الغازات كل عام” مما يسبب ضررا كبيرا (للبيئة) يتناسب مع حجم التجارة الهائل هذا”.
وفي عام 2020، استهلك العراقيون 103 آلاف طن من الدجاج، و 111.4 ألف طن من اللحوم الحمراء، و59.1 ألف طن من السمك، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة العراقية.
وقال وكيل الوزارة، ميثاق عبد الحسين، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية إن “هناك طلبا متزايدا على البروتين الحيواني” في البلاد.
المجتمع لا يتقبل الموضوع
ويقول مصطفى الساعدي، وهو نباتي عراقي “سابق” إنه تخلى عن الاتجاه إلى الطعام النباتي بسبب “الضغوط الاجتماعية”، مضيفا أن “العراقيين معروفون بحبهم للاجتماعات على الطعام، والنباتي سيجد نفسه معزولا عن تلك الاجتماعات بمرور الوقت”.
ويضيف الساعدي أن “من الصعب تفسير عدم رغبتك في الأكل من وليمة مجلس عزاء أو حفلة عرس، سيظن المضيفون فورا أنها إهانة”.
ويقول الساعدي إن “النباتية ليست منتشرة بعد إلى درجة أن يتفهم الناس خيارك”، مضيفا أن “الانعزال الاجتماعي قد يكلف الشخص فرصا اقتصادية أو اجتماعية مهمة”.
لكن منار العبيدي، وهو طالب تخرج حديثا من كلية الطب، واتجه قبل عام ونصف عام إلى اتباع الحمية الغذائية، يقول إنه يطلب دائما معرفة مكونات الطعام الذي يقدم إليه، في منازل أقاربه أو أصدقائه “إذا لم أجد ما أريد، أطلب سلطة نباتية فقط”.
لا يأكل منار اللحوم بأنواعها، كما أنه يبتعد عن المنتجات الحيوانية في الطعام.
وفي بلد مثل العراق، حيث تحتل الاجتماعات على الطعام جزءا مهما من الفعاليات الاجتماعية، لا يحس منار إنه “مستبعد” من تلك الفعاليات، مع أنه يقر أن المجتمع لا يتقبل النباتيين بشكل طبيعي “لأن الموضوع لا يزال غير مألوف”.
ويقول إن معارفه يحاولون دائما ثنيه عن قراره سواء من خلال النقاشات المستمرة، أم المزاح.
ومثل سارة، اتبع منار الحمية الغذائية لأسباب “بيئية وصحية”.
يقول منار إنه “لا يشعر أن هناك صعوبات بنمط الحياة الذي اختاره، عدا ربما صنع الطعام، وعدم توفر مطاعم للأكل النباتي أو محلات حلويات”، مضيفا “المشكلة الوحيدة هي عدم تقبل المجتمع للنباتية لإنها شيء غير مألوف”.
ويعتمد منار على وصفاته الخاصة، وعلى صفحة موقع تواصل اجتماعي “تجمع النباتيين العراقيين الذين كانوا يقومون بحملات تعريفية عن النظام النباتي قبل الجائحة من خلال تحضير الأكل”.
ولا توجد إحصائية لعدد النباتيين العراقيين، لكن الصفحات التي تجمعهم على موقع انستاغرام وفيسبوك تحتوي على مئات الحسابات.
ولا يمكن التأكد من أن كل هذه الأعداد تعود لنباتيين فعلا، أو مجرد مهتمين بالطعام النباتي، لكن منار يقول إنه “سعيد” لأن هناك اهتماما بالموضوع.
ويقول اختصاصي التغذية العراقي، الدكتور رحيم أحمد، إن “نمط الغذاء النباتي يحمل تحديات وفوائد صحية في نفس الوقت”، وأن “التوازن” هو النظام الصحي الأفضل.
ورغم نقص الدراسات العالمية، كما يقول أحمد، “الثابت أن الجسم يحتاج إلى غذاء متكامل من بروتينات وكاربوهيدرات ودهون وفيتامينات”، بغض النظر عن مصدرها.
ويمكن “نظريا” للغذاء النباتي أن يوفر هذه الاحتياجات، لكن “المحافظة على التوازن وعلى الغنى باستثناء اللحوم ليس بنفس سهولة نظام غذائي يحتوي على اللحوم”، بحسب اختصاصي التغذية.
– الحرة