حرية – (4/12/2021)
استبعدت دراسة أعدها مركز متخصص، إمكانية الصدام المباشر بين الفصائل المسلحة والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، نظراً لجُملة عوامل من بينها كوابح النجف وطهران.
الدراسة التي أعدها مركز “EPC” وينشرها “ناس”، ناقشت عدة سيناريوهات متعلقة بالمرحلة المقبلة، لاسيما بعد دعوة الصدر إلى حل الفصائل المسلحة ودمجها في الحشد الشعبي، وتبنيه تشكيل حكومة أغلبية وطنية، فيما رجحت الدراسة أن يكون هدف قوى الإطار التنسيقي من التصعيد المستمر، هو الحصول على تمثيل وازن في الحكومة المقبلة يضمن النفوذ.
الدراسة تحدثت أيضاً عن أن اقتحام أنصار الإطار التنسيقي للمنطقة الخضراء، ومنع الجلسة الأولى من الانعقاد هو خيار مطروح.
أدناه نص الدراسة التي حملت عنوان ” مآلات دعوة الصدر لحلّ الفصائل المسلحة في العراق“:
جاء خطاب زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، في 18 نوفمبر الماضي، والذي أشار فيه إلى ضرورة حل وتفكيك الفصائل المسلحة غير المنضبطة في هيئة الحشد الشعبي، فضلاً عن ضرورة هيكلة الحشد بالشكل الذي يجعله أكثر ارتباطاً بالقائد العام للقوات المسلحة، ليفتح الباب واسعاً أمام مسارات التصعيد والخلاف السياسي بين الصدر وقيادات الفصائل المسلحة الموالية لإيران التي رفضت دعوته، وهو ما يطرح بدوره العديد من التساؤلات حول مآلات الخلاف السياسي الحالي بين الطرفين، وتداعياته الداخلية والخارجية.
دوافع دعوة الصدر
مثلت دعوة الصدر لحل الفصائل المسلحة تحولاً مهماً في مسار العلاقات مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ورغم أن الصدر “جمَّد” في الفترة الماضية عمل “سرايا السلام” التي تتبع له في بعض المدن، وقام بحل “لواء اليوم الموعود” بعد خطابه الأخير الذي طالب فيه بحلِّ جميع الفصائل المسلحة، في بادرة حُسْن نية، إلا أن ذلك لا يخفي وجود دوافع سياسية وأمنية عديدة تقف خلف دعوته الأخيرة، من بينها:
الخلاف التاريخي بين الصدر وقيادات الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لأسباب تتصل بانشقاقها عنه، وتزايد نفوذها وتأثيرها على حساب نفوذه وتأثيره.
جاءت الدعوة متزامنة مع فوزه في الانتخابات المبكرة، وقُرْب مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، رغم اعتراض قوى الفتح على هذه النتائج، وتوجيه أفرادها بزي مدني نحو المنطقة الخضراء، فضلاً عن التدافع الحاصل حول الحكومة التوافقية التي تريدها الفصائل، وحكومة الأغلبية التي يريدها الصدر.
إدراك الصدر أن أي حكومة مقبلة قد لا تنجح في تنفيذ برنامجها الحكومي في ظل استمرار احتفاظ الفصائل المسلحة بسلاحها، وتحديها المستمر لسلطة الدولة.
سعي الصدر إلى تحويل الخسارة الانتخابية للفصائل المسلحة إلى خسارة سياسية، عبر الحديث عن سلاح الفصائل وسطوتها الأمنية ونفوذها الاقتصادي، ومن ثمَّ فهو يدرك ضرورة إنهاء الازدواجية الحالية داخل هيئة الحشد الشعبي عبر إعادة هيكلة الحشد وتنظيمه.
محاولة الصدر سحب شرعية مسمى “الحشد الشعبي” عن الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لأن احتفاظ الفصائل بهذه “الشرعية”، مكَّنها من تحقيق نفوذ سياسي وأمني واقتصادي كبير، وبالشكل الذي جعلها كياناً موازياً يتحدى الدولة وسيادتها، ومِن ثمَّ فإن هذا يجعلها التحدي الأبرز الذي يقف في وجه الصدر وحكومة الأغلبية التي يسعى لتشكيلها.
يحاول الصدر سحب شرعية مسمى “الحشد الشعبي” عن الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لأن احتفاظ الفصائل بهذه “الشرعية”، مكَّنها من تحقيق نفوذ سياسي وأمني واقتصادي كبير يجعلها التحدي الأبرز الذي يقف في وجه الصدر وحكومة الأغلبية التي يسعى لتشكيلها
ردود فعل الفصائل
أفضت دعوة الصدر الأخيرة إلى ظهور ردود أفعال متباينة من الفصائل المسلحة الموالية لإيران، يُمكِن تحليلها وبيان طبيعة استجابتها عبر تقسيمها إلى ثلاثة مستويات:
1 – ردود تصعيدية: من قبيل تلك التي أصدرها زعيم كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي، بدعوته للاستعداد للمنازلة الكبرى مع القوات الأمريكية في 31 ديسمبر المقبل، عبر إعلان فتْح باب التطوع لضم المزيد من المقاتلين في صفوف الكتائب، وهو الموعد الذي سيصادف إنهاء وجود القوات القتالية الأمريكية في العراق، وهي خطوة فسَّرها البعض بأنها دعوة موجَّهة ضد الصدر نفسه، الذي طالب بحل الفصائل المسلحة.
2 – ردود تكتيكية “صورية”: كالتي صدرت من كتائب حزب الله العراق بحلّ “سرايا الدفاع الشعبي”، رداً على قيام الصدر بحل “لواء اليوم الموعود”، رغم أن القوتين تم حلّهما في وقت سابق.
3 – ردود تعجيزية: وذلك عبر الربط بين سلاح الفصائل المسلحة و”مقاومة المحتل”، أو عبر الإعلان بأن سلاح الفصائل المسلحة لن يتم تسليمه إلا لـ”الإمام الغائب”، وهو موقف تبنَّته أغلب الفصائل المنضوية ضمن ما يعرف بـ”تنسيقية فصائل المقاومة العراقية”.
التداعيات
من المتوقع أن يكون لدعوة مقتدى الصدر الأخيرة، وفي ضوء ردود فعل الفصائل المسلحة عليها، عددٌ من الأبعاد والتداعيات، يُمكِن اختصارها في ثلاثة مستويات مهمة أبرزها:
1 – على مستوى قوة الفصائل: المؤكد أن حلّ الفصائل المسلحة الموالية لإيران يعني أنها ستخسر تأثيرها السياسي ونفوذها الأمني، وسيجعلها قوة ثانوية، بل وقد يدفع هذا المسعى العديد من عناصرها للاندماج ضمن القوات الأمنية العراقية، عبر إغراءات سياسية واقتصادية عديدة، وهو ما ترفضه الفصائل المسلحة جملة وتفصيلاً، والتي اعتبرت دعوة الصدر هجوماً موجَّهاً لبقاء الحشد الشعبي وليس للفصائل المسلحة الموالية لإيران فقط.
2 – على مستوى المشهد السياسي: قد يُفضي التدافع السياسي الحالي بفعل رفْض قوى تحالف الفتح لنتائج الانتخابات، إلى تحويل مسار المواجهة من بعدها الأمني إلى السياسي، عبر الحديث عن إلغاء نتائج الانتخابات ورفْض مشروع الأغلبية؛ فهي تدرك أن المضي مع دعوات الصدر، يَعني إنهاء دورها السياسي مستقبلاً، وقد قدَّمت مؤخراً دعوى قضائية للمحكمة الاتحادية من أجل إيقاف عملية المصادقة على نتائج الانتخابات، حتى يتم البت بدعوى إلغاءها، بناءً على الطعون المقدمة من قبلها للمحكمة، ما يؤشر إلى أن خيار إلغاء الانتخابات بات مطروحاً بقوة بضغط من قوى الإطار، وهو الأمر الذي قد ينعكس سلباً على المشهد السياسي، فيما لو تم إلغاء الانتخابات، والقفز على استحقاق الصدر الانتخابي، وهو ما يثير تساؤلاً مهماً حول مستقبل المشهد السياسي في مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات؟
3 – على مستوى النفوذ الإيراني: تُدرك إيران القيمة الاستراتيجية التي تُمثِّلها الفصائل المسلحة في العراق، لذا رفضت مراراً دعوات حلّ وإدماج هذه الفصائل ضمن المؤسسة الأمنية العراقية، نظراً لارتباط هذه الفصائل باستراتيجيتها الإقليمية، فضلاً عن كونها لا تُريد الخضوع لاشتراطات الصدر السياسية في المرحلة المقبلة. ورغم ترحيبها بنتائج الانتخابات، فإنها لا تزال تخشى من نوايا الصدر حيال سلاح الفصائل، وتعمل على جعل سلاح الفصائل شرطاً مهماً لأي دعم قد تُقدِّمه للحكومة المقبلة.
نجاح الصدر في مساعي تشكيل الحكومة المقبلة، قد يجعل الفصائل المسلحة الموالية لإيران تأخذ على عاتقها أما مُعارضة حكومته والصِّدام معها، أو الحصول على حِصَّة مقنعة لها فيها، ما يجعل خيارات التعامل بين الطرفين مستقبلاً تَتَّسِم بالتعقيد الشديد
سيناريوهات المستقبل
يمكن القول بأن احتمالات التعامل المستقبلية بين الصدر والفصائل المسلحة الموالية لإيران ستنحصر بأحد المسارات الآتية:
التصعيد السياسي: يشير هذا السيناريو المُحتَمَل إلى أن مُضي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالمصادقة على نتائج الانتخابات، سيدفع الفصائل المسلحة الموالية لإيران إلى التصعيد السياسي، عبر دفع عناصرها لاقتحام المنطقة الخضراء، لعرقلة عقد الجلسة الأولى للبرلمان، إلى جانب عرقلة جهوده تشكيل الحكومة، حتى تسفر المفاوضات التي تجري بين وفدي التفاوض (تحالف الفتح والتيار الصدري)، عن حلول مرضية للطرفين.
الصِّدام المباشر: ويُعد هذا السيناريو مُستبعَداً لأسباب عديدة؛ فعلى الرغم من خلاف الصدر مع الفصائل المسلحة، فإنه قد لا يذهب باتجاه الصدام المباشر معها في النهاية، كما أن هناك العديد من الضوابط التي تكبح ذلك، أبرزها تدخل كل من النجف وطهران لمنع انزلاق العلاقات بين الطرفين نحو استخدام السلاح، لما لذلك من تداعيات كبيرة على استحقاقات “المكون الشيعي” و”النفوذ الإيراني” في المعادلة السياسية العراقية مستقبلاً.
التوصُّل إلى توافق يُنهي الأزمة: انتهاء الأزمة بين الصدر والفصائل المسلحة الموالية لإيران، يُمثل مساراً مُرجَّحاً في المرحلة المقبلة؛ فالصدر يبدو غير قادر على إزاحة هذه الفصائل عن المشهد السياسي، كما أن الفصائل تبدو أيضاً غير قادرة على القفز على الاستحقاق الانتخابي، إذ إن هناك سابقة سياسية وصل فيها الصدر إلى تفاهمات مع هذه الفصائل، ولعل تجربة اقتسام السلطة مع تحالف الفتح بعد الانتخابات البرلمانية في مايو 2018، تعطي مثالاً واضحاً على ذلك. ورغم أن الصدر يبدو أكثر حذراً هذه المرة من تكرار السيناريو السابق لأسباب داخلية وخارجية، إلا أن التداعيات الخطيرة التي قد تنجُم عن الصدام بين الطرفين، قد تدفع الأمور في نهاية المطاف نحو التوافقية السياسية.
الاستنتاجات
الخلاف السياسي الراهن بين مقتدى الصدر والفصائل المسلحة الموالية لإيران، تصاعد عبر عدة مستويات حاولت من خلالها تلك الفصائل التأثير في جهود تشكيل حكومة الأغلبية التي يسعى الصدر لإنجازها، عبر مطالبتها بالعد والفرز اليدوي، ثم إعلان النفير والتظاهر عند بوابات المنطقة الخضراء، وأخيراً مطالبتها بإلغاء نتائج الانتخابات، وهو مؤشر خطير يواجه المشهد السياسي في العراق، حيث أن الخلاف الحالي لا يتعلق بسلاح الفصائل المسلحة، أو حتى بهيكلة الحشد الشعبي كما يُطالب الصدر، وإنما يتعلق الأمر بمستقبل النظام السياسي العراقي في مرحلة ما بعد المصادقة على نتائج الانتخابات.
ونجاح الصدر في مساعي تشكيل الحكومة المقبلة، قد يجعل الفصائل المسلحة الموالية لإيران تأخذ على عاتقها أما مُعارضة حكومته والصِّدام معها، أو الحصول على حِصَّة مقنعة لها فيها، وعلى مستويي المناصب والنفوذ، ما يجعل خيارات التعامل بين الطرفين في المرحلة المقبلة تَتَّسِم بالتعقيد الشديد.