حرية – (20/12/2022)
قبل عام 1969 لم يكن الكثير من البشر يعتقدون أن صعودنا إلى القمر أمر ممكن حقاً، لكن رحلة أبولو 11 التي أجرتها الولايات المتحدة غيرت هذه الفكرة تماماً، ومنذ فترة من الزمن كانت فكرة الزراعة في تربة القمر تبدو ضرباً من ضروب الخيال العلمي، لكن اليوم بات الأمر ممكناً، وقد استطاع علماء ناسا تنفيذه بالفعل في مختبراتهم.. إليكم القصة كاملة:
علماء يتمكنون من الزراعة في تربة القمر
فتحت دراسة ممولة من وكالة ناسا آفاقاً جديدة في أبحاث علوم النبات والفضاء على حد سواء، فقد تمكن العلماء في المختبر من زراعة النبات في عينات تراب جلبها رواد الفضاء من القمر.
وباستخدام أحدث المعدات التي تساعد على تنمية النبات ووضعه في ظروف مثالية للعيش، قام الباحثون بزراعة نبات يدعى “Arabidopsis thaliana” متغلبين على فقر التربة القمرية بالمغذيات.
مع العلم أن نبات أرابيدوبسيس ينتمي إلى فصيلة الخضراوات الصليبية التي ينتمي إليها أيضاً البروكلي والقرنبيط، وموطنه الأصلي في أوراسيا وإفريقيا، وقد وقع الاختيار عليه نظرًا لصغر حجمه وسهولة نموه، إجمالاً يعتبر من أكثر النباتات التي تمت دراستها في العالم.
تفاصيل عملية الزراعة
وجد العلماء أن التربة القمرية كانت كارهة للماء ولا تقوم بامتصاصه، فيتراكم على السطح، لذلك أوجدوا آليات لتحريك التربة وترطيبها بشكل موحد.
ولتنمية نبات أرابيدوبسيس، استخدم الفريق عينات تم جمعها في بعثات أبولو 11 وأبولو 12 (عام 1969) وأبولو 17 (1972)، مع تخصيص غرام واحد من التربة القمرية لكل نبتة. أضاف الفريق الماء ثم البذور إلى العينات، وحرصوا على وضعها في بيئة مثالية مع إضافة المغذيات للتربة كل يوم.
تقول أيضًا أستاذة علوم البستنة بجامعة فلوريدا، آنا ليزا بول، إن النباتات بدأت بالنمو خلال يومين، وأضافت: “لا أستطيع أن أقول لكم كم كنا مندهشين!”.
ووفقاً لآنا فقد نما النبات بشكل جيد مع حلول اليوم السادس تقريباً، لكن اتضح أن نباتات التربة القمرية لم تكن قوية مثل النباتات التي زرعها العلماء بنفس اليوم في تربة مصنوعة من الرماد البركاني المشابه في قوامه للتربة القمرية.
كذلك فقد نمت النباتات في التربة القمرية بشكل أبطأ وتوقف نمو الجذور بعد اليوم السادس. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى بعض النباتات أوراق متقزمة، كما تلونت بعض الأوراق بصبغة حمراء.
أيضاً لاحظ العلماء أن النباتات المزروعة في عينات أبولو 11 (وهي الأقدم) لم تكن قوية مثل النباتات المزروعة في عينات أبولو 12 و17.
بعد 20 يوماً، وقبل أن تبدأ النباتات في الإزهار مباشرة، حصد الفريق النباتات وطحنوها لدراسة الحمض النووي الريبي.
في النظام البيولوجي، يتم فك تشفير الجينات في خطوات متعددة. أولاً، يتم نسخ الجينات أو DNA، إلى RNA ثم يُترجم الحمض النووي الريبي إلى تسلسل بروتيني.
هذه البروتينات مسؤولة عن تنفيذ العديد من العمليات البيولوجية في الكائن الحي. وقد كشف تسلسل الحمض النووي الريبي أن النباتات كانت تنمو تحت الضغط واستجابت بنفس الطريقة التي يستجيب لها النبات عادةً عندما يجبر على النمو في بيئة قاسية، مثل البيئة التي تحتوي على الكثير من الملح أو المعادن الثقيلة.
بحث تمهيدي لسلسلة تجارب على القمر
يقول الأستاذ بقسم علوم البستنة بجامعة فلوريدا، روبرت فيرل: “سألنا أولاً عما إذا كان يمكن للنباتات أن تنمو في تربة قمرية. وثانياً، كيف يمكن أن يساعد ذلك البشر يوماً ما في الإقامة لفترة طويلة على سطح القمر”.
وعلى مدى عقود من الدراسات والتجارب، اكتشف العلماء أن الإجابة عن السؤال الأول هي: نعم، بل واستطاعوا أن يثبتوا بالتجربة أن الزراعة في تربة قمرية أمر ممكن.
مع ذلك، لم تكن النباتات المزروعة في التربة القمرية قوية مثل النباتات المزروعة في تربة الأرض، أو حتى مثل تلك المزروعة في تربة مصنوعة من الرماد البركاني، وهي تربة تحاكي التربة القمرية، لكن كون أن هذه النباتات قد نمت بالفعل فهذا بحد ذاته أمر يدعو إلى التفاؤل.
ومن خلال دراسة كيفية استجابة النباتات في تربة القمر، يأمل الباحثون في المضي قدمًا للإجابة عن السؤال الثاني أيضًا، ما يمهد الطريق لرواد الفضاء المستقبليين ليقوموا يومًا ما بزراعة المزيد من النباتات الغنية بالمغذيات على القمر.
وعن ذلك يقول كبير علماء الاستكشاف الذين يدعمون برنامج أرتميس التابع لناسا، جاكوب بليشر، إن وكالة ناسا ترسل رحلات إلى القطب الجنوبي للقمر لهذا الهدف تحديداً، حيث يُعتقد أنه قد يكون هناك مياه يمكن لرواد الفضاء في المستقبل استخدامها.
وأضاف: “علاوة على ذلك، فإن زراعة النباتات هي الشيء الذي سنقوم بدراسته عندما نذهب إلى القمر. لذلك، مهدت هذه الدراسات على الأرض الطريق لتوسيع هذا البحث من قبل البشر التاليين على القمر”.
من الجدير بالذكر أن برنامج أرتميس هو برنامج رحلات فضائية تابع لوكالة ناسا، يهدف إلى الهبوط بـ “أول امرأةٍ والرجل التالي” على منطقة القطب الجنوبي للقمر بحلول عام 2024.
مزارع مستقبلية في القمر وعلى المريخ
وعن تلك التجربة الثورية، قال مدير وكالة ناسا، بيل نيلسون: “هذا البحث مهم لأهداف ناسا الاستكشافية البشرية طويلة المدى حيث سنحتاج إلى استخدام الموارد الموجودة على القمر والمريخ لتطوير مصادر الغذاء لرواد الفضاء المستقبليين الذين يعيشون ويعملون في الفضاء”.
وأضاف: “هذا البحث الأساسي لنمو النبات هو أيضًا مثال رئيسي على كيفية عمل وكالة ناسا لإطلاق ابتكارات زراعية يمكن أن تساعدنا في فهم كيف يمكن للنباتات التغلب على الظروف القاسية في المناطق التي تعاني من ندرة الغذاء هنا على الأرض”.
آفاق إضافية تفتحها أمامنا هذه التجربة
يفتح هذا البحث الباب ليس فقط لتنمية النباتات يومًا ما على القمر، ولكن أيضًا يعطينا الفرصة لمحاولة الإجابة عن مجموعة واسعة من الأسئلة الإضافية.
هل يمكن أن يساعدنا فهم الجينات التي تحتاجها النباتات للتكيف مع النمو في التربة القمرية على فهم كيفية تقليل الطبيعة القاسية للتربة القمرية؟ هل التربة الموجودة في مناطق معينة من القمر أكثر ملاءمة لنمو النباتات من غيرها؟ هل يمكن أن تساعدنا دراسة التربة القمرية في فهم المزيد عن تربة المريخ والنباتات المحتملة في هذه المادة أيضًا؟ كل هذه أسئلة يأمل الباحثون في دراستها بعد ذلك، لدعم سفر رواد الفضاء المستقبليين إلى القمر.